ليبيا دولة لا وجود لها.....!!!

ليبيا دولة لا وجود لها.....!!!

جاستن ريموندو

الفكرة القائلة بأن ثمة أمة تدعى «ليبيا»، هي التي تشكل المعضلة المركزية لفهمنا لما يجري حالياً في تلك «الدولة» المزوّرة، وللغموض الذي يكتنف تصوراتنا بشأن ما سيحصل، أو يمكن ان يحصل هناك.

إن البلد المعروف اليوم باسم «ليبيا» لم يكن موجوداً إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان نتاج زواج قسري للمقاطعات الثلاث: «تريبوليتانا»، في الغرب و«سيرينايكا» في الشرق، و«فزّان» في الجنوب. وقد أُنشئت ليبيا، للمرة الأولى، على أيدي الإيطاليين عام 1933، الذين أرادوا دمج المناطق الثلاث المختلفة، في مستعمرة واحدة وموحدة. تحت حكم «مفوّض سام» فاشستي واحد. وبعد هزيمة دول المحور، سيطر البريطانيون على هذه المستعمرة، ونصّبوا «أميراً» على سيرينايكا.

وفي لمحة تأريخية، وضعها «ديدريك فانديغال» أستاذ التاريخ في جامعة «دارتموث»، يقول: «التاريخ لم يكن منصفاً بالنسبة إلى هذه الأمة. فمقاطعاتها الثلاث سيرينايكا وتريبوليتانا وفزّان تم توحيدها لأهداف استراتيجية خاصة بالقوى العظمى بعد الحرب العالمية الثانية. ومقاطعة سيرينايكا في الشرق، وتريبوليتانا في الغرب وهما المقاطعتان الأكثر أهمية. وكانت الواحدة ترهب الأخرى وتشكك في نواياها. والملك إدريس السنوسي، سليل حركة صوفية إسلامية، كان مقرها في سيرينايكا، تذمر مرات عدة، أمام السفير الأميركي، مشددا على أنه يريد ان يحكم كأمير على سيرينايكا فقط، وليس كملك، على ليبيا.

ويستطرد فانديفال قائلا: «في حالات عدة، لا تزال ليبيا المجتمع القبلي عينه الذي كان موجوداً عام 1951، عندما نالت استقلالها. وليبيا، ككيان سياسي، لا تزال، بالنسبة للعديد من مواطنيها، محصورة بالعشيرة او العائلة او المنطقة. وصورة نظام موحد من التوازنات السياسية تبقى «أمرا مجهولا». وخطر الحكومات المستقبلية، أياً كانت، هو أنها قد تواصل بسهولة، البقاء أكثر بقليل من مجرد قناة توصيل لموارد البلاد الطبيعية الهائلة. والتحدي الحقيقي لليبيا لن يكون إعادة الإعمار فحسب، بل خلق دولة فعلية ذات هوية وطنية مشتركة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1951».

لقد أوضح القذافي، في مناسبات متعددة، نيته في إلغاء الحكومة الليبية، وتحويل السلطة افتراضيا إلى «اللجان الثورية المحلية». لكن الحقيقة، التي يستطيع الجميع مشاهدتها بشكل واضح، هي ان كل من كان يتحدى دكتاتورية القذافي، كان يجازف بحياته.

فالقذافي، والضباط الصغار الذين قادوا الانقلاب ضد الملك إدريس عام 1967، بادروا إلى الاقتداء بالنموذج الغربي لناحية قيام دولة مركزية موحدة. لكن مسارعة معمّر القذافي إلى إخفاء هذه المركزية وراء قناع «جماهيريته» الاشتراكية التي تزعم ان ليبيا هي ديموقراطية مباشرة، تكون السلطة فيها منوطة «بمؤتمرات شعبية محلية» تؤشر بالتأكيد، إلى صعوبة فرض أي نوع من أنواع الحكم المركزي، على مجتمع يرفضه بطبيعته. وهذه هي القاعدة التي ينطلق منها القذافي عندما يزعم انه لا يستطيع التنحي من منصبه لأنه لا يتسلّم أي منصب في الدولة الليبية، غير الموجودة رسمياً. ومن أجل الحفاظ على حكمه، أقام القذافي نظاماً ثبّت بموجبه الوضع الذي كان قائماً، والذي يصفه فانديفال بأنه «المجتمع القبلي الذي كان قائماً عام 1951». لكن المفهوم الايديولوجي لكلمة «الجماهيرية» أزيح القناع عنه بسرعة، من خلال رد الدكتاتور الوحشي، على حركة التمرد في بنغازي.

والسؤال هو: هل يمكن ان تشهد ليبيا في يوم من الأيام، بروز «دولة حقيقية» والوصول إلى «هوية وطنية جامعة ومشتركة»؟

إن تجربة الليبيين مع الدولة الموحدة ابتداء من التفاهات الواردة في «الكتاب الأخضر»، وصولا إلى قرارات الإدارات الاستعمارية كانت بكاملها سلبية. والفترة الوحيدة من السلم النسبي، والازدهار والاستقرار، كانت عندما سُمح لشعوب المنطقة بالعودة إلى انتماءاتهم القبلية، المحلية.

فالتمرد الذي حصل في بنغازي هل هو أساساً حركة انفصالية تهدف للانفصال عن دولة «تريبوليتانا» التي كانت دائماً دولة قائمة بذاتها، والتي هي اليوم مقر الحكومة المركزية، والمعقل الرئيسي للقذافي؟

لمقاطعة «سيرينايكا» تاريخ طويل ككيان شبه مستقل، يعود تاريخها إلى زمن الإغريق القدماء، واستمر حتى العصور الحديثة. وهذا التاريخ يعود اليوم لتأكيد نفسه من جديد. فمقاطعة «سيرينايكا» كانت مركز المقاومة ضد الإيطاليين. وهي أيضا مركز نفوذ طائفة السنوسي وهي مذهب إسلامي، تأسس عام 1837. والسنوسيون الذين يتواجدون بين صفوف القبائل البدوية في الشرق، كانوا دائماً، الأشد عداء وخطراً على المستعمرين. فهم قاوموا حكم الطليان تماماً كما حاربوا العثمانيين، وهم يحاربون اليوم معمّر القذافي.

الملك إدريس الأول، الذي اعتلى العرش بعد الحرب العالمية الثانية كان سليل الأمير السنوسي الأول، وتبين انه كان على حق في تردده بتوسيع حكمه وسلطته إلى طرابلس. ولو أن القوى الغربية، المختبئة وراء الأمم المتحدة، أخذت بنصيحة الملك، وسمحت لمقاطعة «سيرينايكا» بالسير في طريقها، لكان بالإمكان تفادي المأساة الجارية حالياً.

ومما لا شك فيه، ان التمرد الانفصالي ليس مقبولا من القوى الغربية، التي تريد ان تتعامل مع دولة واحدة لاستغلال ثرواتها. وهو أيضا غير مقبول من جامعة الدول العربية، لأنه يفتح الباب أمام بروز مجموعة من الدويلات، الأمر الذي يهدد بتغيير حدود الدول التي نشأت عقب انهيار الامبراطورية العثمانية. فإذا كانت «سيرينايكا» قادرة على الانفصال عن طرابلس، فلماذا لا يستطيع الكرد الانفصال عن العراق، ولا يستطيع شيعة المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، تخليص أنفسهم من ظلم حكامهم السنّة؟

في كل الأحوال، يبدو أن وهم «ليبيا» الموحدة، يتلاشى. وما سيلي ذلك يبقى سؤالا مفتوحاً.

ان اليقظة العربية العظيمة التي تجتاح اليوم شمال افريقيا والشرق الأوسط، لا تطيح بالنظام القديم للسلالات المدعومة من الغرب فحسب، بل تمحو أيضاً الحدود الاعتباطية التي رسمها المستعمرون الغربيون، والخلفاء العثمانيون، وتعيد ترسيمها بشكل يعكس الحقائق والواقع بصورة أكثر واقعية ودقّة. وأية محاولة يقوم بها الغرب لكي يتدخل، وليفرض مخرجاً بدلاً من آخر، لا بد لها من ان تثير غضب السكان الأصليين، وتوجيه هذا الغضب بعيداً عن الطغاة في الداخل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأمثال الشعبية الليبية

غـــنـــــاوي وشـــتـــــاوي على ( الــــقــــــديـــــــم )

ما بي مرض غير دار العقيلة.. للمجاهد الفقيه رجب بوحويش