وحشية رودولفو غرازياني Rodolfo Graziani وجرائمه في برقة
(Benito Mussolini e Rodolfo Graziani)
أثبت غراتسياني أنه أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية* ولهذا تم تعيينه ليقوم بتنفيذ خطة إفناء* خاصة في برقة* فيما يذكر ديل بوكا* ولأن قبائلها التي بقيت معادية لهم* وحاملة السلاح ضدهم* حيث يذكر غراتسياني في كتابه "برقة المهدأة" بالتحديد قبائل المغاربة والعبيد والعواقير* ومن ثم يشرع في إبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها تمثلت في عدة إجراءات ذكرها غراتسياني في كتابه "برقة المهدأة" يمكن تلخيص تلك الشنائع والأفاعيل البشعة في الأتي:
1. قفل الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر*
2. إنشاء المحكمة الطارئة في أبريل 1930م*
3. فتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية ونصب المشانق في كل جهة*
4. تخصيص مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء والمقرون وسلوق من أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الاعتقال والنفي والتعذيب* فيما عرف عند البادية بـ "ضمة النواجع"*
5. العمل على حصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة*
6. ومن ثم محاكمته الصورية للشيخ عمر المختار* وإعدام رمز لليبيين ومظلوميتهم.
لقد كانت السلطات بأوامر من غراتسياني في عهده تعاقب الليبيين المدنيين الذين يقصرون حتى في تحية ذوي الرتب والمكانة في الإدارة بالجلد* وكذلك يجلد من لا يقف منتصباً جامداً عند نفخ البوق تحية لعلم إيطاليا عند رفعه وإنزاله* وفي لقاء لي مع المرحوم محمد عثمان الصيد* رئيس وزراء ليبيا الأسبق* أخبرني بأن الوسيلة الوحيدة التي عمل بها عرب فزان للتحايل على هكذا تحية كنا نرفع اليد كما يفعل الفاشستيون والنازيون* ولكننا نخالفهم بإصرارنا على هويتنا الإسلامية ونقول في صوت خافت: يا رسول الله.
تحدث ديل بوكا عن العمليات الحربية التي تمت في عهد الحكم الفاشستي بزعامة موسوليني* ويذكر أسماء مجموعة من القادة الطليان اتسمت أعمالهم بالوحشية المطلقة* يقف على رأس هرمهم الجنرال رودولفو غراتسياني* الذي استطاع هذا الدموي الرهيب أن يبني شهرته على أجساد وجماجم الليبيين* وكان إثر كل مجزرة ينفذها برجال ونساء ليبيا* تزداد شهرته بين ***** شعبه* وتترقى رتبه العسكرية* فغدا - كما يقول المؤلف - نجماً ساطعاً في سماء إيطاليا* والبطل الذي لا يعرف الهزيمة* وقد خصه شعراء بلاده بقصائد المديح والتقريظ* ما زاده زهواً وغروراً* وكان غراتسياني يفتخر ويتباهى بأعماله الوحشية* مؤكداً بأن أستاذه ومثله الأعلى كان السياسي الإيطالي المراوغ ميكافيلليMichavelli * صاحب الكتاب الشهير "الأمير" Principe* حيث يقول عنه بالخصوص: كلما نسبت أعمالي للوحشية فإني أردد ما جاهر به ميكافيللي العظيم قائلاً: "كي يحتفظ الأمير بهيبته عليه ألا يعبأ بعار القسوة"* ويعترف أيضاً بأن ضميره لم يؤنبه للحظة واحدة عن أعماله الدموية بأفراد الشعب الليبي فيقول: "لم يحدث أن نمت لليلة هانئة* مثل الليلة التي أكون قد راجعت فيها ضميري* فيما يقولونه عن قسوتي ووحشيتي".
وبهذا الميكافيللية* التي مبدئها وأساسها "الغاية تبرر الوسيلة"* أصطنع غراتسياني لنفسه ناموساً* روحه سياسة المراوغة والخداع* ولا اعتبار لنداء الضمير أو الإنسانية* ماضياً في طوباويته* غارقاً في عالم الأحلام والأوهام ومثله العليا* وتحقيق كل ما يراه مباحاً بغية الانتصار* وما تشتهيه نفسه الجامحة من نجاحات في الحياة .. فقد كان ينتقض الواقع بعيشه في عالم الفنتازيا.
ويؤكد ديل بوكا على جرائم الفاشست ويذكر إن شريك غراتسياني في جرائمه ضد الشعب الليبي دعي آخر هو بادوليو الذي كان حاكم ليبيا العام* ورئيس غراتسياني المباشر* وقد خطط الاثنان بدعم من موسوليني لإبادة الشعب الليبي قتلاً وتهجيراً* وقد تفنن هذان المجرمان في ابتكار الوسائل لتحقيق ذلك المخطط الرهيب* فأقاما المحكمة الطائرة عام 1930م التي كانت هيئتها تنتقل من مكان إلى آخر بطائرة خاصة لتحكم بشنق الليبيين على الفور* رجالاً ونساءً في محاكمات صورية مضحكة* كما انهما وراء إقامة المعتقلات الجماعية الرهيبة للآلاف من الليبيين* بخاصة سكان برقة وهون* وقد حشروا فيها أكثر من مائة ألف مواطن جلهم من النساء والشيوخ والأطفال.
المعتقلات
ويذكر المؤلف أن أكثر هؤلاء المعتقلين ماتوا في معتقلاتهم جوعاً ومرضاً وقهراً* أو برصاص الطليان ومشانقهم* وكان غراتسياني يقول حين يجد من يعارضه على عمليات الاعتقال الوحشية هذه: لقد قررت وصممت* ولن أتراجع حتى ولو أدى هذا الإجراء إلى فناء أهالي برقة جميعهم. كما ينقل الأستاذ ديل بوكا عن أحد المواطنين الليبيين وهو سالم عمران بو أشبور قوله: "إن خمسين جثة من الليبيين كانت تخرج كل يوم من معتقل العقيلة الذي كنت معتقلاً فيه* وتدفن في حفرة بشكل جماعي* أجل خمسون جثة يومياً كنا نعدها دائماً وهؤلاء ماتوا إما شنقاً أو رمياً بالرصاص أو أهلكهم الجوع أو المرض".
ويصف المؤلف أيضاً عملية مداهمة نجوع الليبيين من قبل الجنود الإيطاليين* وإجبار سكانها على ترك أراضيهم وممتلكاتهم وسوقهم في قوافل إلى المعتقلات الجماعية المخصصة لهم* ويقول المؤلف أن أفراد قبيلة العواقير مثلاً* جمعهم الطليان وأجبروهم على السير على الأقدام إلى مسافة تصل إلى 300 كيلومتر في طرق وعرة أو صحراوية وفي مناخ قاس شديد الحرارة* وكان حين يبطئ كبار السن والضعفاء في المسير* يعمد حراسهم الإيطاليون إلى أخذهم جانباً* وإعدامهم رمياً بالرصاص* لأن أوامر غراتسياني كانت شديدة* بحيث لا تسمح بأي تأخير للوصول إلى المواقع المقررة لاعتقالهم* ويضيف المؤلف قائلاً: لكن رحلة العذاب والموت هذه لم تكن إلا البداية* فالذين وصلوا أحياء* كان ينتظرهم مسلسل آخر للآلام والإهانة القهر* يعجز القلم عن وصفه.
ولكني أعتقد أن ترحيل قبائل العبيدات والمرابطين إلى المعتقلات كانت الأسوأ* حيث سارت تلك الكتل البشرية ومعها حيواناتها في طوابير طويلة أختار لها غراتسياني أسوأ شهور الشتاء برودة ليسيروا على الأقدام مسافة تربو عن ألف كيلو متراً عقاباً لهم* وقد خاطبهم باريلي الذي كان يجيد العربية مهدداً: يا عبيدات نريد وضعكم في منطقتي البريقة والعقيلة* حيث هناك سوف تموتون فرداً فردا حتى يتم استقرار إيطاليا بليبيا* ولم أجد ابلغ وصفاً لذلك المسير نحو معتقلات الإفناء مما ذكره الشيخ الطاهر احمد الزاوي حين كتب "بأنها صورة مصغرة من يوم الحشر الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين".
* الغازات السامة
وقبل أن ينتقل ديل بوكا إلى الحديث عن قبيلة الزوية في عملية الهجوم على الكفرة والفظائع التي ارتكبت فيها من قبل جنود الطليان ضد الليبيين المسالمين* يذكر قبل فاجعة الكفرة كيف كان غراتسياني يأمر طياريه بإلقاء قنابل الغازات السامة المحملة بغاز الفوسجين Fosgene على قبيلة المغاربة في الهروج* وهذا الغاز هو مزيج مركب مميت من الكربون والكلور* وهو من أشد الغازات فتكاً* لأنه أثقل من الهواء ثلاث مرات ونصف* وبالتالي يبقى في شكل سحابة غاز ملامسة للأرض* كما أنه أكثر سمية من الكلور 15 مرة* ويوصف بأنه قاتل للإنسان في عشر دقائق حين يتنفسه* ويورد المؤلف واحدة من الإحصائيات عن نشاط الطيران الإيطالي ضد الليبيين في الفترة ما بين يناير 1924 إلى يونيو 1925* وقذف الليبيين بالقنابل والغازات السامة وملاحقتهم بالرشاشات كما يلي:
قام الطيران الإيطالي في تلك الفترة بـ 3103 طلعة في مجموع ساعات طيران بلغت 2630 ساعة* قطع خلالها 400 ألف كيلومتر* وقذف فيها 22770 أنبوباً متفجراً* و47649 قنبلة حارقة ومتفجرة* من بينها الكثير من الغازات السامة* وقد مات المئات من الليبيين اختناقاً بهذه الغازات المحرمة عالميا. (1)
ويستطرد ديل بوكا كيف ضرب الطيران الإيطالي قبيلة المغاربة بقيادة المجاهد صالح لطيوش ورجاله* وكذلك النساء والأطفال والحيوانات* التي كانت بصحبتهم* وهم في طريقهم من النوفلية متجهين صوب جبال الهروج السود المحصنة* بعدما فشلت كل السبل والإغراءات في استمالتهم* فدكت تلك الكتل البشرية وبهائمها بدون رحمة بقنابل مشحونة بغاز الفوسجين من طائرات كابروني* وكان عدد الشهداء المتسممين بالفوسجين كبيراً بين المغاربة. (2)
* احتلال الكفرة
كان مبعث هذا الاحتلال الوحشي أمرين: أولهما تأديب قبيلة الزوية التي تقطن تلك الواحات* والتي عرفت بشدة رجالها ومراسها* المشهورة بالفروسية والشجاعة* وزكاة دمائها التي طرزت رمال الصحراء* وقبيلة الزوية معروفة بشيوخها وعوامها الذين كانوا يعدون من الخواص وحماة الحركة السنوسية في الجنوب* وكذلك كون مناطقهم* الكفرة وأخواتها* حيث ثاني بلدة سنوسية التي تحوي رفات السيد المهدي* وعاصمة الحركة آنذاك.
الجدير بالذكر أن السيد المهدي بهرته قبيلة الزوية بكرمها* والتزامها بنهج الطريقة السنوسية* وكذلك استجابتها لدعوته لتناسي كل الضغائن والأحقاد التي كانت بين بيوتاتها وأفرادها* والقبائل الأخرى وخاصة التبو. ولم يتوقف الزوية عند ذلك* بل تنازلوا عن ثلث ما يملكون من نخيل وبساتين* وأراضي جعلوها حبساً ووقفاً من أوقاف الحركة السنوسية.(3) وهذا الالتزام وما عقبه من استبسال في قتال أعداء الإسلام أينما كانوا* نقل قبيلة الزوية نقلة نوعية وجعلها تضاهي بفرسانها ودماء شهداء قبائل ليبيا المعروفة تقليدياً بصولتها. وفي نظرنا معركة الكفرة كانت تتويجاً لمفاخرهم ضد الطليان* ففي عام 1931م جعلت قبيلة الزوية من أشلائها سداً منيعاً ضد جحافل الطليان الزاحفة على واحتهم* وكان في مقدمة الشهداء مشايخهم مثل صالح العابدية وسليمان بومطاري*(4) وغيرهما من الأشاوس الذين استقبلوا الطليان وهم يتغنون بكبرياء الشهداء الأحياء "مرحب بالجنة جاءت تدنى".(5)
سبق وأن حاربت السنوسية بهذه القبيلة (الزوية) وغيرها من قبائل المنطقة فرنسا في تشاد* وكادت أن تعطل مشروعها الاستعماري جنوب الصحراء حين ارتأت القبائل الليبية أن واجبها الشرعي يحتم عليها القتال ذوداً عن الإسلام ودياره. وعلى الرغم من محاولة استمالة الفرنسيين للشيخ غيث *** النصر السليماني* وسعيهم لمقابلته بغرض إنهاء حركة المقاومة إلا انه رفض ذلك بشدة. وقاد الشيخ غيث *** النصر مع إخوانه القادة أمثال الشيخ البراني الساعدي الزوي(6)والحاج محمد الثني الغدامسي والشيخ الفضيل بوخريص الكزه وخمسة آلاف من المجاهدين من إخوان السنوسية وأغلبهم من قبيلة الزوية* وكذلك قبائل أولاد سليمان وحلفائهم من ورفلة والمغاربة والقذاذفة* ومن التشاديين والقرعان والطوارق في معركة بير علالي عام 1901م - وكان يوماً محتدماً عسيراً – فثبت الأبطال وصبروا حتى فاز الكثير منهم بالشهادة وفي مقدمتهم قائدهم الشيخ غيث عبد الجليل *** النصر. (7)
كان ذاك اليوم يوم الزوية بامتياز حيث فاز ستون من رجالها بالشهادة من مجموع قدره مائة شهيد. ومن رجالها كان الشهيد أبو بكر قويطين الذي عندما سمعت أمه باستشهاده هو و***** عمومته رفضت العويل والندب كما يفعلن النساء عند الفاجعة* ولكن نثرت زغاريدها في الأفق* وارتجزت قائلة: (8)
انعنهم افدا لسياد .. اللي في علالي رقدوا (9)
الأمر الثاني هو احتلال العاصمة الروحية للسنوسية والتي بها مرقد السيد المهدي السنوسي في زاوية التاج* وهذا بالفعل ما فعله الطليان بعدما انتهوا من مقاتلي المغاربة فقد انتقل غراتسياني إلى جيرانهم الزوية* ليستبيح البشر والحجر* في ملحمة استبسلت فيها الزوية* أجد نفسي عاجزاً عن وصفها* ولكن لا أجد ضيراً في القول بأنه إذا ما وضعت هذه المعركة في كفة وكثير من المعارك الأخر في كفة ثانية لرجحت كفة هذه الملحمة* ومن بعد ما استشهد المدافعون البواسل تمكن رجال غراتسياني حينئذ من رفع علمهم* وعليه الصليب* فوق زاوية التاج حيث مرقد السيد المهدي ابن بنت رسول الله* وللعلم تم كل هذا بإشراف غراتسياني نفسه* ومن ثم لحق به باديليو ليحتفلا ويشربا النبيذ فرحاً ونخباً بالنكبة التي أحلت بآبائنا وأجدادنا بالكفرة. (10)
* غراتسياني وسياسة حز الرؤوس عن الأجساد
حرصت إيطاليا الفاشية على تصفية كل من يعاديها معنوياً وجسدياً كما ما هو معروف* واستخدمت شتى السبل* فقد وصل بها العنت لرصد ما يقرب من ربع مليون فرنك إيطالي لمن يقدم معلومات أو يأتي برأس عمر المختار حياً أو ميتاً* حتى أن غراتسياني قال لو أخلص لنا أقل من ربع المجندين (المطلينين) الليبيين فقط لقضينا على عمر المختار وزمرته المتمردة. (11)
الحديث عن طلب غراتسياني لراس عمر المختار حياً أو ميتاً* يجرنا إلى سياسة حز الرؤوس عن أجسادها* الأخلاقيات التي اعتمدتها إيطاليا ضد عدد من المجاهدين. واللافت أن أغلب هذه الجرائم النكرة تمت بإيعاز واستحسان غراتسياني* لتكررها في عهده* وهذه الرؤوس التي حُزت في ولاية غراتسياني هي مقربة جداً من عمر المختار.
* الفضيل بوعمر
أول تلك البشائع كانت استشهاد الفضيل بوعمر في 20 سبتمبر 1930م* في معركة لثرون بالجبل الأخضر* بعد أن فتح ثغرة في طوق العدو تمكن منها عمر المختار من الإفلات والنجاة*(12) وبعد دفن الفضيل بوعمر* كما تذهب بعض المصادر* نبش قبره وفك الرأس عن الجسد* ليوضع في علبة صفيح "تناكه"* وينقل إلى بنغازي* ويعرض على المعتقلين السياسيين في سجن بنينه وبرج شويلك لإرهابهم وتحطيم معنوياتهم ثم عُلق الرأس على حربة في ميدان البركة في بنغازي ليشاهده الناس لإرعابهم وزجرهم على دعم المجاهدين. (13) وسمي الميدان باسمه حالياً.
يوسف بورحيل
كما قام الإيطاليون بالإجراء نفسه مع الشهيد يوسف بورحيل الذي استشهد في معركة أم ركبه* شرقي طبرق* في صباح يوم 19 ديسمبر 1931م* وقد نقل جثمانه إلى قرية البردي* حيث تم التأكد من شخصيته بحضور أهل المنطقة* ثم قطعوا الرأس* ونقلوه إلى المرج ثم إلى بنغازي حيث عرض على المعتقلين في بنينة* كما فعلوا مع رأس رفيقه الفضيل بوعمر* (14)ويقال أن رأس الشهيد قد سلمه في النهاية بتروشي Commossario Batrocci متصرف المرج إلى مدير مستشفى بنغازي للبرفسور ليونتي Professor Leonti تسليماً رسمياً* حيث أودعه بقسم الجراحة بدار العمليات ولم يعرف عنه شئ بعد ذلك* (15) ولا نعرف الغرض من ذلك.
سليمان بومطاري
وكذلك بومطاري* أحد شهداء الكفرة* وصقور الصحراء* خاصة في ملحمة "مرحب بالجنة جت تدنى"* الذي استشهد في الهوارية دفاعاً عن بلدته وأهله في 18 يناير 1931م* وكعادة غراتسياني في التشفي برؤية ضحاياه منكلاً بهم* فقد طلب رأس الشهيد بومطاري* ومن ثم بُعث بالرأس إلي إيطاليا* وقد تحدثت مع حفيدته التي أخبرتني عن رغبة أهلها معرفة ما حل برأس جدها* وأين هو الآن* وعليه يجب أن يرجع من إيطاليا* ويدفن في هذه الأرض التي جاهد من أجلها . (16)
غراتسياني وشيخ الشهداء
جاء في كتاب ديل بوكا قصة وقوع شيخ الشهداء عمر المختار في الآسر* وكيف كبا به حصانه* ومن ثم اقتيد إلى محاكمة صورية* وحكم عليه بالإعدام شنقاً* بدون أن يراعي غراتسياني ورهطه سن هذا الشيخ الذي كان في الثالثة والسبعين من عمره* ويشيد المؤلف بهذا البطل الليبي* وبشجاعته وبنبله وأن غراتسياني لم يتمكن منه إلا بعد أن سقط العديد من رجاله شهداء* وأصبح في قلة من المجاهدين الذين كانوا شبه عزل بسبب توقف الإمدادات التي كانت تصلهم من مصر وغيرها* بعد ذلك السور الشائك الرهيب والطويل جداً الذي أقامه غراتسياني على الحدود المصرية* وكذلك لنقص المواد التموينية عن المجاهدين التي كانت تصلهم من المواطنين الليبيين الذين وضعهم الجنرال السفاح في المعتقلات الجماعية كما أشرنا آنفاً. (11)
لقد كان غراتسياني في روما كئيباً* حزيناً* موتر الأعصاب في طريقه إلى باريس للاستجمام والراحة* وحضور افتتاح معارض المستعمرات تهرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة* حيث بدأت الأقلام اللاذعة في إيطاليا تنال منه* والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع* وإذا بالقدر يلعب دوره* ويتلقى برقية مستعجلة من بنغازي مساء يوم 12 سبتمبر 1931م مفادها أن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان* فلم يصدق الخبر* ولم يسترح باله* فقرر إلغاء إجازته وطار إلى طرابلس 13 سبتمبر 1931م ليصل بنغازي في اليوم التالي* وطلب إحضار عمر المختار صبيحة يوم 15 سبتمبر 1931م* إلى مكتبه لكي يراه بأم عينه* قبل بدء المحكمة في اليوم نفسه* ودار حوار بين الشيخ عمر المختار وغراتسياني في مكتبه يطول شرحه* وأجاب الشيخ برباطة جأش* كما يذكر غراتسياني في كتابه "برقة المهدأة"* عن جميع الأسئلة التي منها :
غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية ؟
فأجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
غراتسياني: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟
فأجاب الشيخ: لا شيء إلا طردكم … لأنكم مغتصبون* أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.
غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه* في كم يوم يمكنك أن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟
فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شيء .. فلا جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر* ولا نسلم أو نلقي السلاح ...
رحم الله شيخ المجاهدين سيدي عمر
ردحذفرحم الله كل شهداء ليبيا ، وقبيلة أزوية حسب ما أشار إليها المؤرخين بأنهم أشداء في القتال صامدين لايتقهقرون بسهولة ، وهم من قاموا بتعقيل أرجلهم بمعركة الهواري بالكفرة عام 1931 م وواجهوا الدبابات الايطالية
ردحذف