كتاب عمر المختار ؟ ماهى حكاية هذا الكتاب الذى أثار جدلا واسعا عند صدوره ؟




كتاب عمر المختار ؟
ماهى حكاية هذا الكتاب الذى أثار جدلا واسعا عند صدوره ؟


فى سنة 1934 م صدر كتاب فى مصر تحت اسم ( عمر المختار الحلقة الأخيرة من الجهاد الوطني فى طرابلس الغرب ) (1) ومن تأليف شخص مجهول يسمى نفسه ( أحمد محمود ) وقدم للكتاب عبد الرحمن عزام , ومن المهم أن نقول أن الكتاب المذكور أثار استياء الكثيرين من المهاجرين الليبيين فى ذلك الوقت فالكتاب فى ظاهره يحكى بعضا من سيرة الجهاد فى ليبيا ويذكر بالأخص شيخ المجاهدين عمر المختار ولكن ما أن يتمعن القارئ فى محتواه حتى يكتشف الغرض الواضح من تأليفه ألا وهو النيل من بعض أفراد العائلة السنوسية وعلى رأسهم إدريس السنوسي , بل إن المؤلف ذهب بعيدا جدا حين طعن فى ذمة السيد إدريس واتهمته بسرقة أموال تقدر بسبعين الف ليرة ذهبية قدمت من الأستانة فى غواصة لدعم حركة نورى بى ضد مصر مما دفع بالسيد إدريس الى أن يقدم مذكرة شكوى الى النيابة المصرية فى ذلك الوقت يطلب فيها التعرف على المؤلف المجهول ويتهمه بالطعن فى شرفه .

والكتاب كما ذكرنا آنفا قوبل باستياء شديد من معظم المجاهدين المهاجرين بل ولم يحظى حتى بتأييد خصوم السيد إدريس منهم . وجرت مراسلات كثيرة فيما بينهم بهذا الصدد تُجمع كلها على تخطئة مؤلف الكتاب المدعو ( أحمد محمود ) , ومن المهم أن نقول أن ( عزاما) تراجع واعتذر لليبيين المهاجرين حينها بقوله انه قدم للكتاب على غفلة ظنا منه أنه يتحدث عن سيرة شيخ الشهداء فقط وان تقديمه له تم بدون اطلاعه على متن الكتاب .(2)

ومن أبرز أصداء صدور هذا الكتاب أن نشر السيد ( عمر فائق شنيب ) مقالة شنع فيها على الكتاب ومؤلفه والمقدم له , وذلك فى مجلة الرابطة العربية التى يصدرها الأستاذ الكبير ( أمين سعيد ) بعنوان ( باذر بذور الفتنة المؤلف المجهول )(3) قال فيها : ( إن مؤلف هذا الكتاب جمع كل أنواع الخسة ... ) , تبعه فى ذلك المجاهد المهاجر ( سليمان باشا الباروني ) بمقالة فى نفس المجلة بعنوان ( القول الفصل فى القضية الطرابلسية )(4) يصف فيها المؤلف ( بالمجهول النكرة ) ويقول : ( وعلى فرض كون هذا الواحد المختفى طرابلسيا فان مما يشرّف طرابلس أن لا يوجد بين أبنائها المهاجرين إلا عاقّ واحد فقط ... ) .

ولعل أهم تلك الردود هو ماقام به ( محمد الأخضر العيساوى ) الذى أصدر كتابا فى نفس حجم الكتاب الذى نحن بصدده سماه ( رفع الستار عما جاء فى كتاب عمر المختار ) (5), وقدّمت للكتاب شخصية لها وزن ولا غبار عليها وهو العالم الشيخ عبد القادر بن الأمين الزنتانى الطرابلسى ,وتأتى أهمية هذا الكتاب من أنه جُمع من شهادات الأحياء من المجاهدين والمعاصرين لتلك الأحداث التى يتحدث عنها كتاب عمر المختار .

واستدعت النيابة بناءً على دعوى السيد إدريس السيد ( عبد العزيز الحلبي ) صاحب مطبعة عيسى الحلبي والتى طبعت كتاب عمر المختار انف الذكر, واحضر بدوره مؤلف الكتاب ليكتشف الجميع أنه المرحوم الشيخ ( الطاهر العكروت ) والذى اشتهر فيما بعد بالطاهر الزاوي , واعترف الشيخ أمام النيابة بأنه هو المؤلف .

, وبعد اكتشاف حقيقة شخصية المؤلف بعث الشيخ الطاهر الزاوي فى 26/2/1937م برسالة الى عمر شنيب يعاتبه فيها على مقالته المذكورة ويعيب فيها سليمان باشا الباروني ويقول عن كتابه : ( انه لم يذكر فيه إلا الحقيقة الناصعة وانه مستعد للاعتراف بالخطأ إذا أقيم ضده الدليل )(6) ,وقد ذكر فيما بعد فى خاتمة كتابه جهاد الأبطال (7) : ( أن النيابة رفضت الدعوى بوساطة من عبد العزيز الحلبي ناشر الكتاب ) و فى مقدمة الطبعة الثانية لكتابه عمر المختار(8)الذى صدربعد تغيير سبتمبر 1969 م عدّل بعض عبارات هذه القصة فيما يبدو لتتماشى مع الوضع الجديد و لتوحى بأن السيد إدريس رفع الدعوى فى شخصه هو لا فى المؤلف بل وغيّر الشيخ رحمه الله أيضا فى أسباب رفض الدعوى أيضا.

ولعل ما ذكره السيد إدريس فى رسالة خاصة الى احد أصدقائه بتاريخ 16/6/1937م هو الصحيح قائلا : (.... قدمت للنيابة فى مؤلف كتاب عمر المختار وطلبت البحث عن شخصية مؤلفه الحقيقة المستتر باسم احمد محمود وبعد تحقيق بواسطة النيابة مع صاحب مطبعة الحلبي التى طبع بها الكتاب أُحضر العكروت واعترف بأنه هو المؤلف وبعد اعترافه للان لم أتخذ ضده اجراات إذ مما يؤلمنى أشد الألم أن أتقاضى مع أحد إخوانى الطرابلسيين وكلانا فى بلد الهجرة مع أنه معتد علينا وظالم ... )(9) .

وكما ذكرنا فان الشيخ الطاهر الزاوى رحمه الله أعاد طبع الكتاب باسمه الحقيقي هذه المرة وضمّن متن الكتاب ومقدمته عبارات سب وشتم غير لائقة لا شك أنها نالت من مكانته كمؤرخ ومفتى وذهبت بالفائدة المرجوة من الكتاب إن وجدت . والأهم من ذلك أنه لم يتطرق من بعيد أو قريب الى ذكر رد الأخضر العيساوى فى كتابه ( رفع الستار ) مع أنه عدّل فى طبعته الثانية المذكورة جُلّ إن لم يكن كُلّ ماصححه العيساوى فى رده من أخطاء تاريخية جسيمة وردت فى طبعة احمد محمود أبرزها موضوع اتهامه للسيد إدريس بالسرقة فى حادثة الغواصة .بل وتغيرفى الطبعة الجديدة سرد وقائع تاريخية بشكل كامل كما حدث فى موضوع اشتراك عزام فى مفاوضات الزويتينة وغيرها , ولم يحقق الشيخ الزاوي وعده الذى وعد به فى رسالته لشنيب بأنه مستعد للاعتراف بالخطأ واكتفى بالقول فى المقدمة : ( أن كتابه اكتسى ثوبا جديدا وأنه أضاف إليه بعض الحقائق )(10) وهى عبارة فضفاضة كان المفروض أن يقول عوضا عنها ( انه صحح فيه الحقائق بناءً على تصحيحات الأخضر العيساوى ).

ومن المهم أن نضيف أن مما أورده المرحوم الشيخ الزاوى فى طبعته الثانية اتهام جديد للسيد إدريس بالسرقة لم يرد فى طبعته الأولى وذلك حين اتهمه بالاستيلاء على 300 جنيه مصري كان طلبها من الأمير عمر طوسون ليرسلها إلى عمر المختار فى رواية عن شخص ميت حينها وهى إن صحت فى نصها لا يعول عليها لأنها رواية من طرف واحد أولاً , ولا شواهد لصدقها ثانياً , ولا ندرى كيف يصدّق الشيخ الزاوى براءة إدريس السنوسى من سرقة سبعين الف ليرة ذهبية ليصححها فى طبعته الثانية ويذهب فى اتهامه له من جديد بسرقة ثلاثمائة جنيه مصري ؟.

ويمكن للمهتمين أن يعودوا لأصول هذه الكتب والمقالات والمراسلات المذكورة ليتسنى لهم الاطلاع على تفاصيل أكثر لهذه الحكاية فما قدمته هنا ليس تأريخا بمعنى الكلمة بل هو محاولة منى لإضافة بعض قطع الفسيفساء حتى تكتمل الصورة .

فالهدف من كتابة الأحداث التاريخية وتدوينها هو رسم وتشكيل صورة تقريبية للأحداث حتى يتخيلها من لم يعايشها ويلتمس منها العبر وليس الهدف منها الحط من شأن الآخرين , وأن لا أحد يمكنه الجزم بأنه يمتلك حق نقل الحقيقة المطلقة وتظل النسبية سمة ظاهرة من سمات الحياة تتمايز بها الاحداث والنتائج .

وأخيرا أهدى لكم هذه الصورة النادرة لشيخ الشهداء البطل فى قاعة المحكمة والتى يبدو فيها جالسا تحت الحراسة فى طرف القاعة الأيمن انتظارا لبدء المرافعة الصورية .

والى لقاء قريب ...

تحرير وتقديم : فضيل الهادي
Daralsalam_1@yahoo.com
_________________________
(1) - كتاب عمر المختار – أحمد محمود –الطبعة الأولى 1934م – مكتبة الحلبى القاهرة - نسخة أصلية من الكتاب لدى المحرر .
(2) - تقديم بن الأمين لكتاب رفع الستار
(3) - الرابطة العربية العدد 32 – صورة من المقال لدى المحرر
(4) - الرابطة العربية العدد35 – صورة من العدد لدى المحرر
(5) – رفع الستار عما جاء فى كتاب عمر المختار -الطبعة الأولى 1936م - مكتبة حجازى - القاهرة - نسخة أصلية من الكتاب لدى المحرر
(6) - من رسالة الشيخ الطاهر الزاوي الى شنيب صورة لدى المحرر.
(7) – جهاد الأبطال فى طرابلس الغرب
(8) – عمر المختار – الطاهر الزاوى – دار المدار الاسلامى - بيروت
(9) – صورة من رسالة السيد إدريس لدى المحرر
(10) – مقدمة الطبعة الثانية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأمثال الشعبية الليبية

غـــنـــــاوي وشـــتـــــاوي على ( الــــقــــــديـــــــم )

ما بي مرض غير دار العقيلة.. للمجاهد الفقيه رجب بوحويش