إقليم برقة و الحرمان النسبي



إقليم برقة و الحرمان النسبي

لايؤدي الحرمان تلقائيا إلي الثورة عليه, بل تتوقف تلك الثورة في المقام الأول علي عدة شروط متكاملة, أولها ان يعي المحروم ان ظلما قد وقع عليه بمعني أنه قد نال أقل مما يستحق, وأن يوقن أن بمقدوره رفع هذا الظلم, فبدون توافر هذين الشرطين أي الوعي والإمكانية يظل المحروم إما غارقا في سعادة موهومة, أو أسيرا لتشاؤم يعجزه عن الحركة, وفي الحالتين يبقي الظلم علي ماهو عليه, سواء كان حرمانا من العدل أو من الحرية أو من الحق في حياة أفضل.
وقد يتساءل البعض, هل ثمة محروم ولايدري بحرمانه؟ ويكفي أن ننظر حولنا لنكتشف أن من المحرومين من يظنون أنهم مثل غيرهم من البشر أو أن الفروق بينهم وبين غيرهم لاتمس الجوهر, ومن المحرومين من ألقي في روعهم أن تلك هي سنة الحياة ومن ثم فإن التمرد علي أوضاعهم لا طائل وراءه سوي الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة, وأنه لاسبيل سوي الاستسلام بل والرضا, ولاتبدأ مناهضة الظلم إلا مع اكتشاف المحروم أن ظلما قد وقع عليه, وهو لايكتشف ذلك إلا من خلال مقارنة أحواله بأحوال أقرانه من بني البشر, آنذاك يبدأ مايطلق عليه الوعي بالحرمان.[1]

يعد التفسير الاقتصادي أحد التفسيرات الأساسية التي قدمها الباحثون للتغيير الاجتماعي العميق، خاصة التغيير الثوري، والتي لا تزال تتمتع بوجاهة نظرية وعملية. فالثورة كحشد أو حركة تغيير اجتماعي راديكالي عادة ما يكون لها جذر اقتصادي، يدفعها ويحكم تطورها، ويشكل نتائجها.
- وتقليديا، تنازع التفسيرات الاقتصادية للثورات والتغيير الاجتماعي اتجاهان رئيسيان، أولهما النظريات الماركسية، التي تري أن تنامي الاستغلال الرأسمالي يذكي الصراع الطبقي، بحيث يصبح التغيير نتيجة للصراع الحتمي بين الطبقات المستغلة والبروليتاريا. ووفقا لهذا التفسير، فإن العوامل الاقتصادية إما تؤثر مباشرة أو من خلال تأثيرها في الوعي الطبقي والشعور بالاستغلال، أو الغبن الاقتصادي والاجتماعي، والذي يكون مقدمة للحشد الثوري أو الدافع للتغيير.
وعلي الصعيد المقابل، تفسر النظريات الليبرالية الثورة باعتبارها نتيجة "إيجابية" لتراكم وتصاعد قوي التحديث التي تطلقها الرأسمالية، والتي تحول المجتمعات من "التقليد" إلي "الحداثة"، من خلال رفع مستويات التعليم والمعيشة والتحضر، وزيادة التطلعات إلي التغيير. وتستمد تلك المدرسة أدلتها النظرية من ظاهرة أن معظم الحركات الثورية تاريخيا قادتها الطبقة الوسطي.

وفي هذا السياق، تعد دراسة بارينجتون مور الرائدة حول الجذور الاجتماعية للديكتاتورية والديمقراطية
Social Origins of Dictatorship and Democracy
من أهم الأطروحات المفسرة للثورات علي أسس اقتصادية. وتطرح دراسة مور، حول نماذج الثورة والتحول السياسي في أوروبا واليابان في القرن التاسع عشر، نظرة أكثر تعقيدا لمسارات التحديث، من خلال عدة نماذج ثورية في أوروبا واليابان والولايات المتحدة هي: الثورة البرجوازية، والثورة من أعلي، وثورات الفلاحين، والتي أدت كل منها إلي نتائج ومسارات تحول سياسي مختلفة. ويتحكم في اندلاع الثورات وتداعياتها المستقبلية، وفقا للمسارات الثلاثة، مجموعة من المعايير، أهمها التركيبات والتحالفات الطبقية، وانحيازاتها وخياراتها السياسية في لحظة تاريخية معنية.
ومن الأطروحات المهمة التي تولي اعتبارا للعوامل الاقتصادية -وإن لم تختزل الثورة في أبعادها الاقتصادية- دراسة تيدا سكوكبول Theda Skocpol حول الدول والثورات الاجتماعية States and Social Revolutions. ففي دراستها للثورات في الصين وروسيا وفرنسا، يتناول تحليل سكوكبول العوامل الاقتصادية ضمن البني المركبة التي قد تؤدي إلي الثورة الاجتماعية، في حالة تفاقم موقف أزمة. ووفقا لسكوكبول، تتنامي احتمالات الثورة في حالة "أزمة الدولة"، والتي قد تتشكل في أحد أبعادها من أزمات اقتصادية أو اجتماعية. إلا أن طبيعة النظام ومدي قدرته علي احتواء الأزمة والتفاعل معها يعد عنصرا حاكما في احتمالات تحول الأزمة إلي ثورة من عدمه. ويركز هاجارد وكاوفمان بدورهما علي مفهوم "الأزمة الاقتصادية"، ودورها في إذكاء السخط الاجتماعي ضد الأنظمة الاستبدادية، بحيث يعد تفاقم السخط الاجتماعي الناتج عن الأزمات الاقتصادية هو المتغير الوسيط، أو حلقة الوصل بين الأزمة من ناحية والتحول الديمقراطي من ناحية أخري.
وتتناول بعض الدراسات العامل النفسي كمتغير وسيط بين العوامل الاقتصادية وانعكاساتها السياسية. وفي هذا الإطار، تتناول دراسة تيد روبرت جير Ted Robert Gurr لماذا يثور الناسWhy Men Rebel ، والتي صدرت علي خلفية حركات الاحتجاج الطلابية في الستينيات، الأبعاد النفسية للحرمان الاقتصادي ودورها في حفز الثورة، والعصيان أو العنف، من خلال تركيزها علي مفهوم الحرمان النسبي.
ووفقا لهذا الطرح، فالحرمان النسبيRelative Deprivation يعبر عن حالة نفسية واجتماعية ديناميكية تنتج عن التناقض بين أوضاع الإنسان أو المجموعة من البشر وتطلعاتهم في الحصول علي الرفاهة أو الأمن أو التحقق الذاتي، وليس أوضاعهم الاقتصادية بحد ذاتها. ومن ثم، فإن عمق ومدي الشعور بالإحباط الناتج عن إدراك الحرمان، وفقا لهذه الرؤية، هو الحافز الرئيسي للعصيان الجماهيري. وكلما كان الشعور بالإحباط ممتدا وعميقا، تزايدت فرص السلوك العنيف.


نظرية الحرمان النسبي
Relative Deprivation Theory وضعها الاستاذ جور، بالاعتماد على نظريات مشابهة سابقة، قام جور بدمج الكبت الاقتصادي والسياسي في تفسير عام لأسباب عصيان بعض الجماعات للسلطة المركزية لدولة ما.

يرى جور إن السبب في هذا هو الحرمان النسبي، بمعنى انه يوجد فجوة بين مقدار الإمكانات ومقدار التوقعات. وتوسع هذه الفجوة هو الجوهري في نظرية جور، فمادامت الجماعة لا تمتلك توقعات اكبر بكثير مما تحصل عليه من الإدارة المركزية، فانه لا يوجد دافع للعصيان، ولكن حينما ترى الجماعة ان الفجوة بين ما تتوقعه وما تحصل عليه تتزايد باطراد فإنها تبدأ باتخاذ طريق العنف "الثورة " (Gurr 1970).

ربما تصلح هذه النظرية كتفسير عام لمظاهرات 15/2/2013

ولتفسير حالات العصيان التي تقوم بها برقة  ضد الدولة ليبيا الانتقالية الجديدة لما لم يحصلو على ماهو متوقع من الحقوق  !!!

منذ قديم الزمان تحدث الفلاسفة عن العوامل التي تؤدي الى ظهور نيتجة ما، قالوا: ان النتيجة- اي نتيجة- تتحقق اذا اجتمع ثلاث عوامل: الاسباب، الشروط، وزوال الموانع، فلكي تحترق ورقة معينة، فانه لابد من وجود مصدر حراري مثل النار (سبب)، ولابد ان تكون الورقة قريبة من مصدر الحرارة هذا (شرط)، ولابد ان لاتكون الورقة مبللة او مطلية بمادة تمنع الاحتراق (زوال المانع).

لو انك سمعت –عزيزي القارئ- بمن يخبرك ان الورقة احترقت لانها اقتربت من النار، فلابد ان يكون جوابك هو الاستنكار لمثل هذا الادعاء، لان الاقتراب من النار هو شرط للاحتراق وليس هو السبب، بل السبب في الاحتراق هو النار نفسها وليس الاقتراب منها.


مقاربة اجتماعية – نفسية[2]

درست العلوم الاجتماعية هذا الشعور المشترك القائم على “المظلومية” داخل الوطن. فظهرت نظرية الحرمان النسبي للمرة الأولى في العام 1949 في دراسة للسلوك الاجتماعي والنفسي داخل الجيش الأميركي. واضح يومها أن عدم رضا الجنود لا ينبع فقط من المعاناة التي يعيشونها، بل يعتمد ذلك على تقييمهم لأوضاعهم مقارنة مع الآخرين. بعبارة أخرى، إن “المظلومية” كانطباع هي نتيجة المقارنة. في عالم مترابط كعالمنا، من المرجح أن يتضاعف الشعور بالحرمان النسبي القائم على المقارنة عشرات المرات. اليوم، يستطيع الشخص المحروم من خاصية معينة، أن يعلم فورا بأن الآخرين يستفيدون مما ينقصه، والفضل يبقى لوسائل الإعلام الجديدة، التي يمكن أن تنشر “الإحباط” على نطاق واسع وبسهولة كبيرة. هذا “المحروم” ذاته يعرف أيضا أن إجراءات ناجحة عدة أقيمت لوضع حد لمظالم مماثلة، وهذا ما يظهر في الميل إلى “التمرد” عن طريق أنماط الاتصال الجديدة.


http://www.facebook.com/salemsedeek

[1] فريضة التساؤل عن الأسباب المصدر: الأهرام اليومى بقلم:   قدرى حفنى

[2] عندما يتبادل “الغاضبون” دروس سوسيولوجيا الثورة
الاثنين , 21 تشرين ثاني 2011 - 03:23 الناشر : بانوراما الشرق الاوسط
مينيا شاترجي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأمثال الشعبية الليبية

غـــنـــــاوي وشـــتـــــاوي على ( الــــقــــــديـــــــم )

ما بي مرض غير دار العقيلة.. للمجاهد الفقيه رجب بوحويش