برقة لم ولن تختفي عن خريطة العالم أبدا (1)




لمحة من تاريخ برقة (قورينائية )

 استوطن  الإغريق – مثلث سواحل برقة أحد أنسب المواقع التي يمكن أن ينشئ فيها المهاجرون الإغريق مستعمراتهم فهي لا تبعد كثيراً عن بلادهم ، بالإضافة إلى ما كانوا يعرفونه من وفرة خيراتها وخصب أراضيها وغنى مراعيها بالماشية والأغنام بدأ الإستعمار الإغريقي لإقليم قورينائية ( برقة ) في القرن السابع ق.م
و أسسوا مدينة قورينى ( شحات ) سنة 631 ق.م كان باتوس الأول هو أول ملك للمدينة وقد توارثت أسرته الحكم في قورينى لفترة قرنين من الزمان تقريباً لم يكن عدد المهاجرين الأوائل كبيراً ، إذ يقدر البعض بحوالي مائتي رجل ولكن في عهد ثالث ملوك قورينى باتوس الثاني حضرت أعداد كبيرة من المهاجرين الأغريق وأستقرت في الإقليم ، لقد أزعج هذا الأمر الليبيين ودخلوا في حرب مع الإغريق من أجل الدفاع عن وجودهم وأراضيهم التي طردهم المستعمرون منها ومنحوها للمهاجرين الجدد ، وعلى الرغم من أن الأسرة التي أسسها باتوس الأول إستمرت في الحكم زمناً طويلاً ، فإنها لم تنعم بالإستقرار وذلك بسبب الهجمات التي كانت القبائل الليبية تشنها على المستعمرات الإغريقية في المنطقة الساحلية .


.. وفي عهد أركيسيلاوس الثاني – رابع ملوك قورينى – ترك بعض الأغريق ، وعلى رأسهم أخوه الملك ، مدينة قورينى ليؤسسوا بمساعدة الليبيين مدينة برقة ( المرج ) ولما إزداد عدد المهاجرين الذين أتوا إلى قورينى ، أرسلت تلك المدينة بعضاً منهم لإنشاء بعض محلات قريبة من الشاطيء كانت من بينها المحلة التي أنشئت طوخيرة – (توكرة) على موقعها .
.. كما أسست مدينة قورينى مستعمرة أخرى هي مدينة يوهسيبر يديس ( بنغازي ) وكما كان لقورينى ميناء هو أبولونيا (سوسة) فإن مدينة برقة كانت هي الأخرى أنشأت ميناء لها في موقع بطولوميس (طلميثة) عندما إحتل الفرس مصر ، بعث ملك قورينى سفارة إلى الملك الفارسي معلناً خضوع إقليم قورينائية ، وإستمرت تبعية الإقليم لمصر وواليها الفارسي وإن كانت في الغالب تبعية أسمية ، وفي منتصف القرن الخامس ق.م (440 ق.م) قتل أركيسيلاوس الرابع ، آخر ملوك أسرة باتوس ، في يوهيسيبريديس (بنغازي) وأصبحت قورينائية تضم مدناً مستقلة عن بعضها البعض ، وعلى الرغم من أن مدن الإقليم في هذه الفترة قد تمتعت بشيء من الإزدهار الإقتصادي فإنها عانت من الإضطرابات السياسية ، فبالإضافة الى إزدياد خطر هجمات القبائل الليبية ، كانت تلك المدن تتصارع فيما بينها ، كما عصفت بها الانقسامات الداخلية وهكذا الى أن غزا الأسكندر المقدوني مصر 332 ق.م وأستولى البطالمة الذين خلفوه في حكم مصر على إقليم قورينائية 322 ق.م ، إذ ساد شيء من الهدؤ النسبي وأصبحت مدن الإقليم تعرف جميعاً بإسم بنتابوليس اي أرض المدن الخمس ، فقد تكون إتحاد إقليمي يضم هذه المدن ويتمتع بالإستقلال الداخلي ، وبقيت قورينائية تحت الحكم البطلمي حتى أرغم على التنازل عنها لروما سنة 96 ق.م ، وصار الإقليم تحت رعاية مجلس الشيوخ وكان يكون مع كريت ولاية رومانية واحدة الى أن فصلها الإمبراطور دقلد بانوس في نهاية القرن الثالث الميلادي عند إعتراف الإمبراطور قسطنطين الأول بالمسيحية في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي ، نجد أن تلك الديانة كانت قد إنتشرت في ليبيا ، ولكن يجب ألا نفهم أن ذلك كان يعني القضاء على الوثنية ، فقد تعايشت الديانتان جنباً الى جنب فترة قاربت القرن ونصف القرن من الزمان حتى بعد أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس الأول المسيحية الدين الرسمي والأوحد في الإمبراطورية في مرسوم أصدره سنة 392م ، وهذا الأمر لا تختلف فيه (ليبيا) عن بقية أقاليم الدولة الرومانية ، وكان أول أسقف لإقليم برقة سجله التاريخ شخصاً يدعى آموناس وكان ذلك سنة 260م وحضر أساقفة من مدن البنتابوليس أول مؤتمر مسيحي عالمي وهو المؤتمر الذي دعا الى عقده الإمبراطور قسطنطين في مدينة نيقيا سنة 325 م ، كان الأسقف سينسيوس القوريني أهم شخصيات الفترة المسيحية في برقة ، وتولى أسقفية طلميثة وذهب إلى البلاط الإمبراطوري في القسطنطينية على عهد الإمبراكور أركاديوس ليعرض المشاكل التي كانت تواجه الإقليم والتي كان من أهمها الضرائب الثقيلة المفروضة على مدنه ، وإن المشكلة الرئيسية التي واجهت الإقليم على أيامه هي الدفاع ضد غزوات القبائل الليبية التي زادت حدتها بعد عام 390م ، ولما لم يكن في الإمكان الإعتماد على مساعدة الحكومة الإمبراطورية ، قام سكان المدن والمناطق الريفية القريبة بتنظيم حرس محلي للدفاع عن أراضيهم ، إن الصورة التي يعطيها سينسيوس عن الأوضاع في الإقليم دفعت كثيراً من الدارسين إلى القول أن الحياة في البنتابوليس قد خبت نهائياً في القرن الخامس الميلادي ، ومع ذلك فإن الآثار القديمة تثبت أنه بينما كانت المدن تتضاءل ظل الريف محتفظاً بحيوية ملحوظة لمدة قرنين من الزمان بعد ذلك .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأمثال الشعبية الليبية

غـــنـــــاوي وشـــتـــــاوي على ( الــــقــــــديـــــــم )

ما بي مرض غير دار العقيلة.. للمجاهد الفقيه رجب بوحويش