المفترى عليه الشارف باشا الغرياني




هو الشارف أحمد أبو عبد الله الكميشي الغرياني.

*ولد بزاوية جنزور ( بالدفنة ) جنوب شرق مدينة طبرق .. سنة : 1877 م. ليبيا

*ترجع أصوله إلى قرية الكميشات ، بجبل نفوسه بمنطقة غريان .. وبها مرقد جده الشهير بالسيد أبي عبد الله الكميشي.

*التحق عمه الشيخ حسين الكميشي الغرياني بمجلس إخوان السنوسية على اثر لقاء جمعه مع السيد محمد بن علي السنوسي بطرابلس سنة : 1843م .. رحل على أثره إلى الجبل الأخضر.. ليجد هناك الترحاب والكرم .. وليصبح شيخا لزاوية ( الدفنة ) التي تعرف بزاوية جنزور الشرقية.

*رحل والده - مع بعض الأقارب – إلى الجبل الأخضر .. ليلتحق هناك بشقيقه الشيخ حسين الغرياني .. ويعين من ثم بأمر من السيد الإمام رئيساً لزاوية جنزور.

* تكفل عمه بتربية عمر المختار وتعليمه – بعد وفاة والده – فنال - مع ابن أخيه الشارف - من العلم والتربية ما ناله، لينتقلا بعد ذلك معا إلى واحة الجغبوب عاصمة السنوسية، وليتتلمذا على أيدي كبار علماء السنوسية.

*عندما داهمت إيطاليا ليبيا واحتلت سواحلها انضم إلى ركب المجاهدين الميدانيين، ومن ثم كأحد المستشارين والوجهاء من أصحاب الرأي المعدودين.

*منحه السيد أحمد الشريف رتبة باشا بأمر من السلطان العثماني .. وهي من أعظم مراتب الدولة العثمانية قدرا وشرفا.

*بعد اتفاقية الرجمة سنة: ( 1920 م ) .. عينه السيد ادريس وكيلا له وأحد مستشاريه المقربين.

*بعد عودة السيد إدريس من منفاه طلب منه البقاء معه للاستفادة من رأيه ومشورته، لكنه اعتذر لتقدمه في السن واعتلال صحته.

*كان دائما معتزا بدينه ولغته فلم يتكلم الإيطالية.

*كان محبا لزيه وهيئته الإسلامية كحبه لدينه ووطنه .. فلم يظهر في أي اجتماع أو مناسبة من المناسبات ما يخالف ذلك.

* لم يرض لابنه الوحيد التجنس بالجنسية الإيطالية لمواصلة دراسته في مدارس إيطاليا.. وعين له بدلا من ذلك من يعلمه القرآن وعلومه على حسابه الخاص.

* لم يقبل الهجرة إلى إيطاليا .. ولم يقبل التجنس بجنسيتها .. رغم عرضهما عليه.

*لم تعامله القوات الإنجليزية والليبية معاملة الخونة بعد هزيمة إيطاليا وتحرير ليبيا كما فعلت مع بعض الشخصيات الليبية العميلة.

*لم يغتصب أملاك أحد أو أساء إلى أحد، أو حتى عادى التيار الجهادي بقيادة الشهيد عمر المختار والعكس هو الصحيح.

*كان وبشهادة كل من عاصره وعرفه عن قرب .. يسعى دائما لمساعدة الناس وقضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم.

* عين عميداً فخرياً لمدينة بنغازي .. عرفانا بجميله وحسن صنيعه تجاه العديد من أبنائها.

*انتقل إلى رحمة الله تعالى في : 26/02/1945م .. ودفن في قرية بوزيان بغريان.

مواقف مشرفة للشارف الغرياني
الشارف الغرياني .. صاحب اليد البيضاء التي امتدت - في حياته - لمساعدة المحتاجين خلال أقسى وأمر سنوات الاحتلال البغيض .. وأشدها فقرا ومحنة وابتلاء صاحب هذه اليد الكريمة التي أنقذت العديد – كما سيمر بنا - أنقذتهم من وهدة السقوط المريع، بين براثن موت محقق أو فقر مدقع .. في وقت عز فيه المعين، وقل فيه المواسي، وتعذر على الناس فيه عون أنفسهم .. فالكل له شأن يغنيه، من مصير ينتظره، أو فقر يلازمه ، أو جوع يطارده أينما حل أو ارتحل.

صاحب هذه اليد الكريمة .. الذي كان يسارع في الخيرات لنجدة الناس وعونهم في حياته .. كان في مماته أيضا سببا – بعد الله سبحانه وتعالى – في إقامة علاقة مباركة طيبة على درب الكلمة الصادقة الشريفة .. بيني وبين الدكتور فرج نجم .. هذا الابن البار الذي نفض غبار الأيام وركام السنين عن شخصيات جهادية فذة أعطت الكثير لبلادها .. فانتشلها بدأبه وصبره واجتهاده من غياهب النسيان .. ليعيدها إلى ذاكرة الناس من جديد .. يحسونها ويرونها رأي العين .. من خلال كتاباته المتأصلة والمتجددة.

ولعلكم تتساءلون .. كيف حدث ذلك .. والجواب بسيط جدا .. فقد كان شيخنا الشارف – كما قلت لكم – سببا في كل ذلك .. فبعد كتابتي لمقالة بسيطة تناولت من خلالها موقفا واحدا من مواقفه الطيبة .. ونشرتها ضمن إحدى حلقات : ( حكايات من ملحمة الجهاد ) بصحيفة أخبار بنغازي .. بعد ذلك بأيام قليلة زرت الصحيفة لتسليم مادة جديدة فوجدت من يبلغني بضرورة الاتصال بالصديق الحاج على الوحيشي .. فتوجهت مباشرة إلى دار الكتب الوطنية .. ليستقبلني هناك بترحاب ومودة كعادته دائما ولينقل لي إعجابه الشديد بتلك المقالة .. وليقدم لي في الوقت نفسه بحثا قيما .. كتبـه د. فرج نجم، عنوانه : ( سير الأجداد بين الابتلاء والغبن والتخوين : الشارف الغرياني نموذجا ) 1

سررت بذلك البحث أيما سرور .. وأكثـر ما سرني هو ذاك الوفاء الذي لمسته مـن كاتبه .. وتلك الروح السمحة التي تتبدى لقرائه .. فتسري إلى قلوبهم رضا وقبولا وإعجابا شديدا .. كل ذلك دفعني بعد الانتهاء من قراءته مباشرة .. أن أبعث بأول رسائلي إليه .. واعدا إياه أن أكتب مرة أخرى عن شيخنا المفترى عليه .. بما أوحى به إلي بحثه ذاك .. فكانت هذه المقالة .. وكان شيخنا الشارف – كما قلت لكم – سببا في علاقة مباركة طيبة .. ستؤتي أكلها ولو بعد حين بإذن الله تعالى .

فهل تعجبون بعد ذلك من يد كريمة تصدر عن روح طيبة لرجل طيب .. لا يتوانى عن خدمة الناس حيا وميتا.


حبه لدينه ووطنه :

دفعه حبه لدينه ووطنه إلى رفضه تعليم ابنه بعد المرحلة الابتدائية في مدارس إيطاليا التي تتطلب التجنس بالجنسية الإيطالية شرطا لذلك .. أن يختار لولده شيخا يعلمه القرآن وتعاليم الإسلام مع أبناء عمومته وأبناء الجيران 3

وحينما عرض عليه المستعمرون .. الجنسية الإيطالية التي كانت حلم الكثيرين، رفضها بكبرياء .. مفضلا الانتماء لبلاده ووطنه الذي يحب 4

وفي الوقت الذي يحرص فيه الموالون لإيطاليا على الظهور بزيهم الخاص الذي يميزهم عن مواطنيهم .. تنفيذا لأوامر سلطات الاحتلال بالخصوص .. كأصحاب القمصان الزرقاء والباندات والشناوير وغيرهم .. كان الشارف بفتخر بالظهور بزيه الإسلامي .. ويحرص على الظهور به دائما.. ولم يثبت لنا مطلقا ما يخالف ذلك في أي من الاجتماعات أو المناسبات العامة والخاصة .. ويؤكد د. فرج نجم: أنه لم يظهر في أية صورة من الصور إلا بزيه الإسلامي الذي يحبه ويفتخر به كحبه وافتخاره بدينه ووطنه 5



حبه لعمر المختار :

ولكي تعرف أخي القاري .. مكانة المختار من نفس الشارف .. وذلك الود الذي كان يكنه له .. أعرض عليك – بتصرف - ما نقله الطيب الأشهب عن الشارف نفسه وهـو يحدثنا عن ذلك اللقاء الأخير الذي جمعه بشيخ الشهداء قبيـل تنفيذ حكم الإعدام فيـه.. لتدرك وبوضوح تام كم كان الشارف يقدر ويحب رموز جهادنا الوطني .. وتدرك وبالمقابل كرهه لرموز إيطاليا .. الذين أكره على التعامل معهم .. إنقاذا للبلاد من محنتها ، وللعباد مما حل بهم.

فقد حاولت ايطاليا بعد أسر عمر المختار .. أن تستعين ببعض الشخصيات الوطنية لإقناعه بإصدار أوامره إلى المجاهدين ليلقوا أسلحتهم ويسلموا أنفسهم .. وأوعزت إلى الشارف بأن المختار يريد مقابلته .. وفي ذلك يقول الشارف:

فكرت طويلا في الأمر .. لكن لم يسعفني التفكير لمعرفة السبب .. وهل صحيح أن السيد عمر المختار هو الذي طلب المقابلة .. ؟ لماذا .. ؟ إنه جبار كما أعرفه .. ولن يحاول أن يطلب أية مساعدة من أي نوع .. ولا من أية شخصية مهما تكن الظروف المحيطة به .. هل ترغب الحكومة في أن أقابله وأرادت أن تخفي رغبتها هذه .. ؟ ثم إن السيد عمر المختار يعرف ما بيني وبينه من اختلاف في وجهات النظر السياسية ولذا فهو أبعد من أن يطلبني الآن .. إنه يعرف مقدما المصير الذي ينتظره .. منذ أن وقع في أيدي أعدائه .. ويعرف أيضا بأن ليس لكائن من كان في استطاعته التدخل في هذا الأمر .. وفوق كل هذا فإنه لا يضعف إنه أقوى من كل قوة يتصورها الإنسان .. كل هذه الاحتمالات مـرت بخاطري .. ثم إن مقابلتـه في مثـل هـذه الظروف تؤثر في نفسي .. ولذلك رأيت أن أعتـذر .. ولكن (الكمندتور رينسي ) أصر على أن أذهب لمقابلته.

وذهبت إلى السجن منقبض النفس .. فاستقبلني المدير وكان معه أحد ضباط ( الكرابنير ) .. وبعد جلوسي بدقائق أقبل سيدي عمر المختار .. وكان يستند على اثنين من الجنود ووراءه جندي مسلح .. ولم يكن بمكتب مدير السجن مقعد غير المقاعد التي جلسنا عليها .. فدخل السيد عمر ووقف ومددت له يدي لأصافحه .. فقال مدير السجن إن التحية بالأيدي ممنوعة حسب نظام السجن .. ولكن ما دمتما داخل مكتبي أعتبر أنها لم تكـن .. وطلبت مـن المترجم ( فرناري ) أن يجلسه في مكانه ففعل .. وجلس السيد عمر وخيم علينا سكون رهيب .. وكنت انتظر أن يقول لي شيئا .. ولكنه لم يفه بكلمة واحدة .. وأردت أن أبتدئ الكلام فقلت هذا المثل الشعبي مخاطبا به السيد عمر : " الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل " وما إن سمع هذه العبارة حتى رفع رأسه ونظر إلي شزرا .. حتى كاد الشرر يتطاير من عينيه .. وقال : { الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه .. وسكت قليلا .. ثم أردف قائلا : ربنا هب لنا من لدنك رحمة .. وهيئ لنا من أمرنا رشدا .. إنني لم أكن في حاجة إلى الوعظ أو التلقين .. إنني أؤمن بالقضاء والقدر .. وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله .. إنني متعب من الجلوس هنا فقل لي ماذا تريد }.

وهنـا فقـط – يقول الشارف الغرياني – أيقنت أنه لم يطلب مقابلتي .. وأدركت أنها لعبة مـن ( كلاب الدم ) فزاد تأثري وقلت له : ما وددت أن أراك هكذا .. ولقد أرغمت نفسي على الحضور بناء على طلبك .. وحاولت مرارا كي أتجنب هذا الموقف .. وهذا اللقاء الأسود .. أكرر أنني ما وددت رؤيتك هكذا.

فقال : { أنا لم أطلبك .. ولن أطلب أحدا .. ولا حاجة لي عند أحد }.

ووقف دون أن ينتظر مني جوابا .. ففهمـت أن ( رينسي ) الكلب هو الذي دفعني إلى هذا الموقف المحزن .. وكأنه كان يريـد مني أن أعرف ما كان يريده عمر المختار .. وعدت إلى منزلي وأنا أشعر بالحزن والضيـق .. وشعرت بشيء فـي نفسي ما شعرت بمثله طيلـة حياتـي 6



مواقفه مع هؤلاء :

1. مع عبد الحميد العبار.

بعدما صدر قرار سري مـن السلطات الإيطالية بالقبض على عائلات المجاهدين .. أرسل الشارف الغرياني أحد معارفه سرا إلى المجاهد القائم مقام عبد الحميد إبراهيم العبار .. برسالة رمزية تتضمن البيتين التاليين:

بيـع الغلـم و أكـرم الخيـل كسابـة أكحيلـه عصــارا

راه الحاصلـه اتـوٍِرٍٍِِد الطيـر وراه الحاطـه في الشكـاره

وعرف الشيخ عبد الحميد مراده ومقصده .. فأبلغ بقية المجاهدين .. ليسرع الجميع إلى إرسال عائلته إلى مصر.. ولم ينس المجاهد الشيخ عبد الحميد له حسن صنيعه ذاك .. فقال في أواخر سني حياته قولته المشهورة :

{ لم يظلم أحد ممن أعرف .. أكثر مما ظلم الشارف الغرياني } 7

2 . مع عبد السلام الكزة.

وهذا قائد آخر من قادة الجهاد المطلوبين لإيطاليا حيا أو ميتا .. تقع إحدى بناته في الأسر .. ولم يكن ثمة من يستطيع التدخل في الأمر .. فوالدها من كبار المطلوبين والأمر جد خطير .. لكن رجل المهمات الصعبة كان لها .. فقد جاء في شهادة خزنة عبد السلام الكزة أنها بعدما وقعت في الأسر هي وبعض من نسوة آل الكزة .. وعلى الرغم من ملاحقة الطليان لأبيها وخطورة الأمر، فقد تقدم الشيخ الشارف وطلب من السلطات أن يتكفل هو بها، وبالفعل أخذها ومن ثم أرسلها إلى والدها الشيخ عبد السلام في مقر الدور ومن بعد ذلك هاجرت بصحبة أبيها إلى مصر 8

3 . مع علي باشا العبيدي.

عندما قبض الطليان على علي باشا العبيدي كادوا أن يفتكوا به .. لولا تدخل الشارف الذي أنقذ حياته من موت محقق .. وقد ذكر الدكتور فرج نجم بأن لديه وثيقة من الشيخ علي العبيدي موجهة إلى الشارف الغرياني يشكره فيها على حسن صنيعه ويرجع تاريخ هذه الرسالة إلى سنة 1942 .. وفيها جميل ومعروف الشارف عليه. 9

4 . مع محمد المنفي الكيلاني.

ولم تتوقف جهود شيخنا على إطلاق سراح المجاهدين وعائلاتهم .. بل تنوعت وتعددت لخدمة الجهاد والمجاهدين، فقد شهد المجاهد : محمد المنفي الكيلاني .. الذي كان يهرب المؤن والأسلحة للمجاهدين .. بأن الشارف أرسل إليه من ساعده في تهريب صفقة للمجاهدين في هيئة تجارة 10

5 . مع القائم مقام عصمان الشامي.

ومن منا لا يعرف القائم مقام عصمان الشامي .. هذا العربي الغيور الذي ودع حياة الدعة والرخاء في بلاده ... ولبى نداء الجهاد صادقا .. ليقضي جل عمره مع المجاهدين .. ويصبح أحد قادة الجهاد في برقة .. إلى أن وقع في الأسر وزج به في أحد معسكرات الاعتقال البغيضة.

واشتد المرض واعتلت صحته داخل المعتقل .. فوافقت السلطات الإيطالية على إطلاق سراحه.. وهب الشارف الغرياني لمساعدته.. فبذل مساعيه كما هي عادته دائما.. من أجل لم شمل عائلة هذا الأسد الجريح .. فكان له ما أراد .. حيث أطلق سراح زوجته الأولى، مكاتيب الدرسي ، وابنها محمد ووالدة زوجته الثانية، هوينة البرعصية من معتقل البريقة.. واصطحبهم جميعا إلى بيته ... لينزلوا عنده معززين مكرمين في ضيافته ببنغازي سنة كاملة.

وها هو ابنه - الحاج علي – يحدث الدكتور فرج نجم .. ويشهد للشارف بما هو أهل له فيقول : ( بعدما أطلق الطليان سراح والدي المجاهد عصمان من المعتقل سنة : 1933م لسوء صحته .. وكان الجوع والحاجة في انتظاره .. أعطاه الشيخ الشارف الغرياني غرفة في مقدمة حوش في منطقة البركة في مدينة بنغازي .. تصلح أن تكون مخزناً أو حانوتاً، علماً بأن جل الناس مازالوا مشردين .. وهذه المكرمة سيذكرها التاريخ للشارف الغرياني ) 11

ولم يكتف شيخنا الشارف بهذا وحسب بل إنه بذل كل مساعيه لدى السلطات الإيطالية مجددا .. كي توافق على رجوع زوجته الثانية ( هوينة البرعصية ) أم الحاج علي .. التي هاجرت إلى مصر أثناء مشاركة زوجها في الجهاد .. فكان أن لم شمل هذه العائلة المجاهدة .. وأسكنهم بمنطقة البركة بمنزل يليق بهم مؤقتا .. إلى أن تمكنوا بمساعدته أيضا من الحصول على قطعة أرض فابتنوا لأنفسهم بيتا يليق بهم وبجهادهم .. بشارع الرملي .. ومن ثم استأنفوا حياتهم من جديد 12

7. مع محمد أحصين الحداد .

وها هو الشهيد محمد احصين الحداد .. مجاهد آخر .. جاهـد على طريقته الخاصة .. كان أحد تجار بنغازي المعروفين .. وكان عونا للمجاهدين في جهادهم .. يمدهم بما يحتاجونه من غذاء وكساء ويستضيفهم سرا في بيته .. وحينما تكتشف السلطات الإيطالية أمره .. وتنفذ فيه حكم الإعدام مع ابنه الأكبر سنة 1930م .. وتصادر جميع أملاكه وبيته الذي كان يأوي فيه المجاهدين .. وتشرد أسرته المكونة بعد استشهادهما مـن : ( أخته وزوجتيه وبناته الخمس وابنه الأصغر ) .. يسارع الشارف الغرياني إلى نجدتهم .. فيتمكن بتوفيق من الله من الحصول لهم على سكن .. ضم شمل هذه العائلة المنكوبة .. ولم ينس أحفاد الشهيد تسجيل هذه المكرمة .. بالعريضة التي قدموها للقيادة الليبية في السنوات الأخيرة .. لتضاف إلى مكارمه التي لا تعد ولا تحصى 13

8 . مع حسين السنوسي المراكشي.

وها هو شيخ زاوية الجغبوب حسين السنوسي المراكشي .. يغادر زاويته مكرها متوجها إلى سيوه .. هربا من جيوش الاحتلال التي كانت تزحف باتجاه الجغبوب .. لكن طيران العدو يكتشفه في منتصف الطريق .. فيلقى القبض عليه ويؤتى به مكبلاً ، لكن الشارف الغرياني الذي عز عليه القبض على صديقه الشيخ .. لم يتردد في التوسط لدى الوالي من أجل إطلاق سراحه فكان له ما أراد .. حيث أصدر أوامره بالعفو عنه .. ولم يكتف بهذا وحسب .. بل إنه وتقديرا منه لدور شيوخ الزوايا .. المتمثل في تعليم القرآن ونشر تعاليم الإسلام .. سعى مجددا حال وصوله إلى بنغازي لإعادته إلى سابق عمله بزاوية الجغبوب .. وبالفعل كان له 14


9 . مع عمر المختار .

ورغم ذلك الاختلاف في وجهات النظر في كيفية مواجهة المحتل .. إلا انه لم يعاد التيار الجهادي .. ولم يتبرم من عمر المختار ورفاقه الأحرار .. وقد تحدث – كما مر بنا - عن ذلك اللقاء الذي جمعه بعمر المختار قبيل شنقه .. وأخبر كيف أن : ( كلاب الدم خدعوه ) .. بإخبارهم له زورا بأن المختار يريد مقابلته .. بينما كان غرضهم أن ينقل عنه أوامره إلى المجاهدين .. بتسليم سلاحهم وإنهـاء المقاومة لكنه كان أكبر من أن يكون مطية للمستعمرين .. أو صيدا سهلا لتحقيق مآربهم الخبيثة.

ونلاحظ من خلال حديثه عن تلك المقابلة .. أنه كان يحقد على رموز إيطاليا .. ويصفهم بما يليق بهم .. كقولـه مثلا : " ففهمـت أن ( رينسي ) الكلب هو الذي دفعني إلى هذا الموقف المحزن " .. بينما نراه في حديثه عن عمر المختار لا يذكر اسمه إلا مقرونا بكلمة { سيدي } .. وأكبر دليل على هذا التقدير والاحترام الذي يكنه الشارف للمختار يطالعنا من خلال جوابه ذاك حينما سأل عن لباسه داخل السجن .. هل هو لباس السجن أم لباسه الخاص الذي كان يقاتل به .. حيث كانت إجابته أكبر مـن سؤالهم .. وكانت قيمته عنده أجل من اللباس وأعظم .. كانت إجابته تلك تنم عن تقدير وإعجاب شديدين بشخصية المختار وبهمته العالية ومكانته من نفسه وقلبه .. وذلك حينما استشهد بقول الشاعر:

عليـه ثياب لو تقاس جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا

وفيهـن نفس لو تقاس بهـا نفوس الورى كانت أجل وأكبر

وكل ذلك يعكس لنا وبوضوح تام .. كيف أن اختلافهما كان في وجهات النظـر وحسب .. كانت وجهـة نظر المختار مقاتلة العدو دون النظر إلى الخسائر .. وكانت وجهـة نظر الشارف استرداد حقوق الناس المعذبين المتعبين بأقل قدر من الخسائر .. ورغم ذلك كان وفي قرارة نفسه يتمنى للمختار النصر على أعدائه وتحقيق كل مآربه في العزة والكرامة .. ألا تلاحظون معي ذلك من خلال هذا المقطع الجميل الذي يقول : أيقنت أنـه لم يطلب مقابلتي .. وأدركت أنها لعبة مـن ( كلاب الدم ) فزاد تأثري وقلت له : ما وددت أن أراك هكذا .. ولقد أرغمت نفسي على الحضور بناء على طلبك .. وحاولت مرارا كي نتجنب هذا الموقف .. وهذا اللقاء الأسود .. أكرر أنني ما وددت رؤيتك هكذا.

صدقت أيها الشيخ الجليل .. لم تكن ممن يفرحون بمقابلة المختار هكذا .. مقيدا بالسلاسل منتظرا تنفيذ حكم الإعدام فيه .. وقد كانت مساعيك كلها من أجل تجنب ذلك .. كنت ستفرح حقا لو أن النصر كان حليفه .. وكان ( كلاب الدم ) بين يديه يطلبون العفو والصفح وينتظرون رحمته.



وهؤلاء شهدوا له :

1 . أحمد الشريف.

وفي مقدمة هؤلاء الذين شهدوا له .. يأتي السيد أحمد الشريف .. القائد العام للمجاهدين .. الذي أجبر على مغادرة الوطن إلى تركيا بحيلة أتفق على تنفيذها مسبقا مع المحتلين .. ومن هناك كان يراسله ثقة به وبوطنيته التي لا يجحدها إلا مكابر أو جاهل .. ومن خلال تلك الرسائل التي يبعث بها إليه .. كان كثيرا ما يكلفه بالقيام ببعض الأعمال التي يدرك جيدا أنه يقوم بها خير قيام .. وها هو في الرسالة التالية يوجه كلامه إليه بقوله " إلى الفاضل الأجل الكامل النبيل المحترم سعادة ولدنا الشارف باشا الغرياني حفظه " ويسأل عنه وعن أحواله فيقول : " فالموجب السؤال عن المرضية أحوالكم ، نرجو الله أنكم بخير "

والآن يحسن بك أن تطالع كامل رسالته .. ليتبدى لك من خلالها ذلك الود والاحترام المتبادل بينهما .. وأنا أجزم أن الشارف أهل لكل ذلك .. ولو لم يكن كذلك لأحجم أحمد الشريف عن مراسلته .. فهو بطبيعة الحال أعرف به منك ومني ومن رواة الباطل والتزوير :

" إنه من عبد ربه ومملوك أستاذه نائب الخليفة الأعظم ووزيره أحمد الشريف السنوسي ... إلى الفاضل الأجل الكامل النبيل المحترم سعادة ولدنا الشارف باشا الغرياني حفظه الله آمين.

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ومرضاته ،،،

فالموجب السؤال عن المرضية أحوالكم ، نرجوا الله أنكم بخير، وإن سألتم عنا وكافة من بمعييتنا ولله الحمد في سوابغ نعمه وتتابع جوده وكرمه، أرجوه تعالى ألا تزالوا كذلك إنه جدير لما هنالك، هذا ومنا أتم السلام إلى جميع الإخوان والمحبين ومن عندنا كذلك السلام " 15

2 . عبد الحميد العبار.

لم ينس الشيخ عبد الحميد العبار .. جميل ومعروف الشارف الذي أشرنا إليه آنفا من خلال أحد مواقفه المشرفة .. حيث أنقذ أسرته وأسر بقية المجاهدين من الأسر .. وقد لاحظ الشيخ عبد الحميد مدى الغبن والجحود ونكران الجميل الذي تعرض له الشارف فقال قولته المشهورة : { لم يظلم أحد ممن أعرف .. أكثر مما ظلم الشارف الغرياني }.

3 . المجاهد عون محمد سوف المحمودي

وها هو المجاهد عون محمد سوف المحمودي ابن الشيخ المجاهد محمد سوف المحمودي وحفيد المجاهد المشهور غومة المحمودي .. ها هو سليل المجاهدين .. الذي لا ينكر أحد دوره ودور أسرته في الجهاد ومقاومة الطغاة في العهدين التركي والإيطالي .. ها هو عون .. يبعث من منفاه بمصر برسالة إلى الشارف اعترافا منه بفضله ودوره الكبير في خدمة البلاد وأهلها:

" تلقيت من خادمكم فتح الله علي معيوف نبذة عن تاريخكم المجيد وصورة فوتوغرافية لسعادتكم فخامرني السرور والطرب ودفعني لأخذها إلى أحد المصورين بالإسكندرية، فالتقطها بالآلة وحفظتها في برواز تذكاراً لسعادتكم ... ولا شك بأن هذه الهيبة الثمينة حصل لنا بوجودها في منزلنا الشرف الرفيع ... أدامكم المولى ذخراً للبلاد والعباد وكلل الله مساعيكم بالنجاح ... أحد المفتخرين بالانتساب لسعادتكم " 16

4 . د. وهبي البوري.

وأما الدكتور وهبي البوري – متعه الله بالصحة والعافية وأطال في عمره – من الشخصيات المعروفة في عالم الأدب والسياسة .. وبالإضافة إلى ذلك فهو شاهد عيان .. عاصر الشارف الغرياني .. وشهد بما رآه منه من مكارم وأخلاق وفضائل .. تأكيدا لما تناقله الناس عنه وروينا طرفا منه آنفا .. يقول وهبي البوري :

" كان الشارف أثناء إقامته في بنغازي .. مُعيناً للمواطنين ، وكان يعمل على فك ضائقة كل من يقصده ، وكانت داره مفتوحة لكل محتاج وطالب مصلحة " 17

5 . د. فرج نجم

ويقول الدكتور فرج نجم أنه على كثرة بحثه وتنقيبه للوثائق والمراجع التي تؤرخ لتاريخنا الجهادي.. أنه لم يعثر مطلقا على من يتعرض للشيخ الشارف بسوء بل على العكس من ذلك كانوا يردفون اسمه بالباشا من باب الاحترام والتأدب في الحديث عنه.

ومعظمهم أظهر تفهما واضحا لما قام به هو وبقية الأعيان لحفظ البلاد وإنقاذ العباد .. ويضيف قائـلا .. لم يثبت لنا من خلال كتب التاريخ أو من أفواه الناس .. أنه أضر بأحد .. أو كان سببا في أذية أحد أو التنكيل بأحد .. ولم يغتصب أملاك أحد .. بل والعكس هو الصحيح كان دائما في خدمة الناس وعونهم. 18



لماذا ترك حمل السلاح وجنح إلى السلم

انخرط الشارف مبكرا في سلك الجهاد .. وحمل السلاح مع إخوانه المجاهدين .. ولم يجنح إلى السلم حتى توقيع معاهدة الرجمة عام : 1920م ، وكان عمره حينئذ ( 53 ) عاما .. وقد فضل الجنوح إلى السلم .. وتوقف عن حمل السلاح .. وقبول مبدأ المفاوضات لأخذ الحقوق .. مراعاة منه لمصالح البلاد والعباد .. وإنقاذا للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان .. الذين عصفت بهم السنون ودارت بهم رحى الأيام مرضا وجوعا ومآس يشيب لهولها الولدان.

لكنه وفي الوقت ذاته .. كان مع المجاهدين الميدانيين قلبا وقالبا .. لم يناصبهم العداء مطلقا ولم يضق ذرعا بما يصنعون .. ولم يتبرم من عمر المختار .. ولم يكن سببا في أذية أحد أو التنكيل بأحد .. ولم يسجل لنا التاريخ أو يشهد عليه أحد من الأحياء أنه كان من الباندات أو أصحاب الشناوير ... الذين نكلوا ببني جلدتهم ولم يراعوا فيهم إلا ولا ذمة .. فاستحقوا أن يسجل التاريخ أسماءهم في سجل المجرمين الخائنين .. وكان لهم الخزي في الدنيا وعذاب الله يوم القيامة.

نعم لم يسجل عليه أنه عادى التيار الجهادي .. بل كان وبخلاف ذلك يكن الاحترام لشيخ الشهداء ورفاقه .. وكان كما مر بنا لا يتوانى مطلقا عن مساعدتهم ونجدتهم كلما تحين الفرصة لذلك.

وإذا كان الشارف كذلك .. فلماذا يخونه البعض .. لماذا يعتبرونه عميلا للمحتل ومعاديا للجهاد والمجاهدين .. بينما نراهم مع شخصيات وطنية أخرى جندها المحتل وحملت السلاح معه لمقاتلة المجاهدين نيابة عنه .. بل وتمادت في تعاونها وعمالتها إلى الحد الذي دفعها إلى التنكيل بالناس وتعذيبهم وقتلهم بسبب وبلا سبب .. ورغم ذلك كله نرى البعض يعتبرونها من الشخصيات الوطنية .. التي لا يشك في نزاهتها وجهادهـا .. ولا تمانع مطلقا في إطلاق أسمائهم على الشوارع والميادين العامة.

وإني لأعجب أشد العجب من هذا التلاعب المشين بأحداث التاريخ ووقائعه .. الذي شغل بسطاء الناس بالباطل .. وقلب الحقائق في عقولهم رأسا على عقب .. والأعجب من ذلك كله تصديق البعض لما يخطه رواة المستعمرين .. الذين يصدرون عن مفاهيم ضيقة وعنصرية بغيضة ومعايير مزدوجة لا تصمد كثيرا حينما تتفحصها أعين الثقاة المنصفين.



لماذا ولمن يفاوض الشارف :

كان الشارف يعلم مبلغ المحنة التي يعيشها الناس .. الذين قدر لهم أن يكون وقودا بشرية لأهوال حرب لا تنتهي ولا ترحم .. وجوع لا يبقي ولا يذر .. كان يدرك حاجة الناس إلى العون والمساعدة .. ولذا فقد كان يفضل مهادنة المستعمر والتفاوض معه حقنا لدماء الأبرياء من الأرامل واليتامى وتفريج كربتهم وسد جوعتهم .. بعدما عصفت بهم كوارث رهيبة وأحداث دامية وأهوال ومصائب تقشعر لهولها الأبدان.

كان كغيره من وجهاء البلاد وأصحاب الرأي.. يفضل السلم على الحرب .. وكان بحكم مركزه الاجتماعي كرجل دين وشيخ من شيوخ الزوايا .. كثيرا ما يلجأ إليه المجاهدون عندما تستشكل عليهم الأمور وتتقطع بهم السبل .. بحثا عن الحلول .. فيرغم حينذاك على التدخل والتفاوض مع المحتل برفقة المجاهدين أو نيابة عنهم .. كقبوله التفاوض في يوليو 1927م .. مع ممثل الحكومة الإيطالية ( تيروتسي ) مع كبار المجاهدين في برقة البيضاء أمثال الشيخ عبد السلام الكزة العقوري ومحمد الحرنة المغربي وبوشديق مازق البرعصي. 19

ومنهم من يقابل رفضه للمشاركة في التفاوض .. بأن يحلف له بأيمان البادية المغلظة كي يقبـل وبلا تردد .. تمامـا كما حدث مع ( علي باشا العبيدي ) و ( محمد بوفارس ) و( رافع فركاش ) الذين طلبوا منه وألحوا في الطلب من أجل التوسط بين المختار والطليان لوضع حد لتدهور الأحوال .. لكنه يعتذر رغم إلحاحهم .. فيحلف صديقه ( علي باشا العبيدي ) بالطلاق .. ويرغمه على مشاركتهم في مفاوضات سيدي ارحومة .. وكل ذلك دليل ثقتهم فيه وعلو مكانته عندهم ورجاحة عقله .. ولو لم يكن كذلك لنفروا منه وابتعدوا عنه 20

والأهم من ذلك كله .. هو أنه وبحكم كبر سنه .. كان أصلح وأقدر للقيام بمهمة التفاوض منها على حمل السلاح .. وقد كان عمره ( 53 ) عاما .. حينما اتخذه ادريس السنوسي وكيلا له وأحد مستشاريه المقربين .. بعد اتفاقية الرجمة سنة : 1920 م.

وبالإضافة إلى كبر سنه كانت أيضا صحته عائقا آخر ومشكلة أخرى .. ومن هنا نراه عندما طلب منه ادريس مرة أخرى – بعد عودته من منفاه - البقاء معه .. للاستفادة من مشورته عند الحاجة .. يعتذر لاعتلال صحته وتقدمه في السن

عرف الباحث التاريخي الدكتور فرج عبد العزيز نجم بجرأته وشجاعته في مقالاته ومؤلفاته فهو لا يخشى في الحق لومة لائم ويطرح دائما موضوعات حساسة ومثيرة وخاصة فيما يتعلق بالتاريخ الجهادي وهو حريص دائما عن البحث عن الحقيقة وإبرازها للقاريء الكريم  وقد سبق وان صدر له العديد من الكتب من بينها أبطال وملاحم ، والقبيلة في الإسلام في ليبيا  ونتطرق إلي كتابه الذي صدر حديثا بعنوان سير الأجداد بين الابتلاء والغبن والتخوين الشارف باشا الغرياني أنموذجا عن مؤسسة بن علي بن راشد للتوزيع والنشر بعجمان– الإمارات العربية المتحدة.

 يهدي كتابه هذا إلي كل مظلوم ومغبون وخاصة أبناء الشارف الغرياني وأحفاده   وفي المقدمة يشير المؤلف إلى انه يناقش هذا الموضوع الشائك والذي ابتلي به شخص الشارف دون حيثيات وشهود فالرجل لم يكن كما شوهته وسائل الإعلام وخاصة ما فعلته عدسة مصطفى العقاد في فيلم عمر المختار والدور الذي لعبه الممثل الإنجليزي جون غليوغود في اقل من خمس دقائق في الفيلم المذكور وما فيه من إساءة للشيخ الشارف الغرياني أو ما كتبه بعض  الكتاب المغرضين الذين لم يكونوا صادقين في كتاباتهم أو يتحرون الصدق والدقة والموضوعية فيما كتبوا   وان هذا الكاتب كان يبحث عن الحقائق المقدسة والأمانة التاريخية وتقديمها كاملة ناصعة في هذا الكتاب من اجل تصحيح التاريخ وتجديده .. وفي موضع آخر من الكتاب يقول المؤلف : ( ومن ثم نصحح مفاهيمنا حول بعض الأعلام الليبية كاالشارف باشا الغرياني وبعض المجاهدين الذين غبنوا وفي مقدمتهم الشيخ المجاهد القائم مقام عبد الحميد العبار وآخرون ))ص15 كما جاء في صفحة أخرى من الكتاب   (( فقد نقل عن الشيخ المجاهد عبد الحميد العبار انه قال إن أكثر من ظلم هو الشيخ الشارف الغرياني ))ص8 أو في قول المؤلف الدكتور فرج نجم : (( وشدني كثيرا مقاله الشيخ عبد الحميد العبار في حق الشارف باشا الغرياني وزاد ني حيرة وهما ما اخبرني به الأستاذ/ المرحوم عبد المولى دغما ن دفاعا عن الشيخ الشارف فصار يؤرقني ما طال هذا الرجل من إساءة فصرت ابحث لسنين وكلما حققت في مصادر هذه الإساءات وجدتها على أرضية هشة وكلما غصت في تاريخ الأجداد كانت تبرز لي شخصية الشارف الغرياني من حين لآخر بفضائل الأفعال )) ص14. 

وفي هذا الكتاب يتطرق إلي عائلة الشارف الغرياني التي أصولها من غريان  وبالتحديد من الكميشات حسين بن عبد الله الكميشي عم الشارف الذي التحق بمجلس الأخوان السنوسية واتوا من الغرب ليفقهوا أهل بادية برقة في دينهم  ويحفظوا أبناءهم القرآن الكريم واستقر الشيخ حسين في باديء الأمر بالجبل الأخضر ووضع حجر أساس زاوية البيضاء وعلى مقربة منها كان ضريح الصحابي رو يفع الأنصاري وتولى الشيخ حسين رئاستها ولحق به شقيقه احمد ويعرف محليا باسم حمد ثم انتقل الاثنان وبعض الأقارب إلى شرق البلاد ليستقروا بزاوية جنزور جنوب شرق مدينة طبرق بحوالي 80 كيلومتر حيث تعين إماما لزاويتها  وفي هذه الزاوية  ولد الشارف احمد أبو عبد الله الكميشي الغرياني سنة 1877م ب وهو سليل بيت شرف وعلم وفضل  عرف عن عائلته التدين والتبحر في العلوم  الشرعية ترجع أصوله  إلي قرية الكميشات بجبل نفوسة منطقة غريان وبها مرقد جده الشهير السيد أبي عبد الله الكميشي )) ص25 وفي زاوية جنزور كانت للغراينة علاقات وطيدة مع جميع الاسرفي الزاوية من قبيلة المنفة والحبون والقطعان والجرارة وغيرهم .

        كما ولد عمر المختار في كهف  بزاوية جنزور وعندما توفي والده تكفل به الشيخ حسين الغرياني عم الشارف بتربيته وتعليمه مع الشارف نفسه حفظ القران الكريم وتعليم أصول الفقه والدين ثم انتقلا إلي الجغبوب  لمواصلة تعليمهما على يد كبار علماء الجغبوب.

وعندما داهمت ايطاليا ليبيا واحتلت سواحلها انضم الشارف الغرياني إلي ركب المجاهدين كأحد المستشارين والوجهاء من أصحاب الرأي المعدودين حتى أصبح احد هيئة أركان قيادة جيش السيد احمد الشريف وقد تزوج الشارف الغرياني عدة مرات وترك خلفه أربع بنات وولد وحيد من زوجات مختلفات

ومن المواقف الشجاعة والنبيلة للشيخ الشارف باشا الغرياني في هذا الكتاب نتطرق إليها في إيجاز بينما أوردها المؤلف مفصلة وهي كالآتي/

انه ساعد المجاهد عبد الحميد العبار على الإفلات من قبضة الطليان عندما نصبت ايطاليا فخا للمجاهد ولكن رساله الي الشارف الغرياني كان أسرع إلي المجاهد عندما نقل إليه أبياتا من الشعر الشعبي يحثه على الخروج  يقول له فيها.

           بيع  الغنم وأكـرم الخـيل            كسـابة  اكحـيله  عصاره

           راه الخارمة أتودر الطير             وراه  الحاطه في الشكاره

وبالفعل استطاع المجاهد عبد الحميد العبار النجاة والإفلات من قبضة الطليان

انه أنقذ حرائر آل الكزة.

إنقاذه للمجاهد محمد علي الكعبار من القبض عليه من قبل ايطاليا في مدينة اجدابيا

وكيف قام الشارف الغرياني بإنقاذ عصمان الشامي من اسر ايطاليا له وانزله في بيته ببنغازي وإطلاق سراح المعتقلين من أهل بيته.

كما أنقذ الشارف الغرياني علي باشا العبيدي وأنقذ حياته من الطليان.

كما قام الشارف الغرياني بإنقاذ الفتى فرج حويو الورفلي عندما حكم عليه الطليان بالإعدام وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة سنة والإفراج عن كل من عمران فركا ش وعائلة السنوسي الأشهب وأخوته من معتقل العقيلة.وقد توفي الشارف الغرياني في 26 فبراير 1945م ودفن في قرية بوزيان في غريان رحم الله الشارف الغرياني رحمة واسعة

((وخلاصة القول لقد أثبتت الدلائل والحجج من روايات شفوية ووثائق ومراسلات وقصائد من الشعر من أشراف وعلية القوم من حضر وبوادي من شرق البلاد وغربها وجنوبها مجاهدون كانوا أو من صناع الدولة الليبية من مشايخ القبائل وحتى عائلة المجاهد الرمز عمر المختار نفسها بأن الشارف الغرياني كان رجلا نزيها نقيا ربانيا خيرا لم يؤذ احد أو يتسبب في أذى احد )) ص94   وفي الكتاب أبواب متفرقة عن الشارف باشا وسيدي عمر المختار وخلاف الشارف مع أمير برقة ولقاء الوداع  بين سيدي عمر والشارف  والتواصل بين العائلتين عائلة الشارف الغرياني وعائلة شيخ الشهداء عمر المختار حتى اليوم  كما تطرق في كتابه هذا إلي موضوعات متفرقة من بينها  بندة عاكف.وتناوش لطيوش والسويحلي والمعتقلات وشهداء آل الكزة وشيوخ غدرت بهم ايطاليا ورمضان السويحلي وعصبياته وغيرها من الموضوعات كنت أحبذ أن تنشر في كتاب آخر .

وكنت أتمنى من الباحث أن يركز على الشارف الغرياني في تسلسل وترتيب الأبواب لهذا الكتاب الشيق والذي بذل فيه مؤلفه جهدا كبيرا من اجل إصداره وطباعته على نفقته الخاصة طبع هذا الكتاب طباعة جيدة وهو مزود بصور الشارف الغرياني وابنه السنوسي  وبعض رموز حركة الجهاد والمشايخ والمشاهير في تلك الفترة بالإضافة إلي ملحق للرسائل بخط اليد التي وصلت للشارف الغرياني في تلك الفترة تشكره على مواقفه النبيلة كتاب جدير بالقراءة والإطلاع وليس هناك في رأي الشخصي ما يمنع من إعادة طباعته داخل البلاد

رسالة عمر المختار الى الشارف الغريانى

هذه الرسالة كتبها المجاهد عمر المختار جوابا لرسالة من طرف الشارف الغريانى الذى أكرهته ايطاليا ليتوسط لها فى الصلح مع عمر المختار وايقاف الحرب .

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله القائل ( ان الجنة تحت ظلال السيوف ) الى أخينا سيدى الشارف بن احمد الغريانى حفظه الله وهداه سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومغفرته ومرضاته نعلمكم ان ايطاليا اذا ارادت ان تبحت معنا فى اى موضوع تعتقد أنه يهمها ويهمنا فما عليها الا أن تتصل بصاحب الامر ومولاه سيدى السيد محمد ادريس بن السيد محمد المهدى بن السيد محمد السنوسى رضى الله عنهم جميعا فهو الذى يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه وأنتم لاتجهلون هذا بل وتعرفون اذا شئتم أكثر من هذا ومكان سيدى ادريس فى مصر معروف عندكم وأما أنا وبقية الاخوان المجاهدين فلا نزيد عن كوننا جندا من جنوده لانعصى له أمرا ونرجوا من الله سبحانه وتعالى أن لايقدر علينا مخالفته فنقع فيما لانريد الوقوع فيه حفظنا الله وأياكم من الزلل نحن لاحاجة عندنا الا مقاتلة أعداء الله والوطن وأعدائنا وليس لنا من الأمر شىء اذا ما أمرنا سيدنا وولى نعمتنا رضى الله عنه ونفعنا به بوقف القتال نوقفه واذا لم يأمرنا بذلك فنحن واقفون عند ما امرنا به ولانخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسايس المكسرين ولا نخاف حتى من السم الذى وضعوه فى الابار وبخوا به الزرع النابتة فى الارض نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون ونحن لانريد لكم ما يدفعكم اليه النصارى وظننا بكم خير والله يوفقنا ويهدينا وأياكم الى سبيل الرشاد والى خدمة المسلمين ورضاء سيدنا (سيدى ادريس ) رضى الله عنه وسلام الاسلام على من تبع الاسلام .

13 ربيع الثانى 1344 هجرى
نائب المنطقة الجبلية عمر المختار



الوثائق الرسميه للفيلم عمر المختار:

طبعا كان المخرج الفيلم المرحوم مصطفي العقاد وكما كانت تلك الايام التي كان يمثلون فيها فيلم عمر المختار اته المرحوم مصطفي العقاد ومعه معاونيه من الفيلم الي المنزل عائلة الشارف باشا الغرياني في المنطقة البركه في بنغازي حينها كان هو ومعه الابن الوحيد للشارف الغرياني وهوه السنوسي وقال مصطفي العقاد نريد قصة حياة الشارف الغرياني والوثائق من بداية حياته وحتي يوم وفاته واخذه كل الوثائق والصور علي اساس ايردهن ولكن حسب ماقال انه هذه الوثائق تم حرقها من المجهول وهل هذه شي يعقل

ولكن حسب مانعرفان الشارف الغرياني كان رجل مسالم ويحب الصدق والايمان ومن هوه الصغير وكان قلبه صافي وابيض وحتي السلطات الايطاليا اعترفت بذلك ان الشارف الغرياني رجل السلام والاول في شمال افريقيا

كان رجل نبيلا وعطوفا وكريما وحنيا ويحب المساعدة الناس من جميع انحاء ليبيا

كان رجل خيره وخبير في الشؤون السلام

على فكره راهي الفيلم عمر المختار كان نصف منه زورا وقبل ان ينتقل مصطفي العقاد الي رحمة الله بلغه احد احفاد الشارف الغرياني بلحقيقه

كلمة أخيرة :

وبعد أخي القارىء .. فها قد عرضت عليك وجهة نظري تجاه هذا المفترى عليه .. فإن كنت مصيبا فمن الله ، وإن كنت مخطئا فمني واستغفر الله .. وإني لأعلم علم اليقين أنه من الخير للمسلم .. أن يجانبه الصواب في اجتهاده مادحا للناس شاكرا لهم .. من أن يحالفه قادحا في أخلاقهم ناكرا لجميلهم والغا في أعراضهم متنكرا لأعمالهم .. والله من قبل ومن بعد أعلم وأجل وأكرم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأمثال الشعبية الليبية

غـــنـــــاوي وشـــتـــــاوي على ( الــــقــــــديـــــــم )

ما بي مرض غير دار العقيلة.. للمجاهد الفقيه رجب بوحويش